227

 

آية التجارة عن تراض:

وثالثاً ـ قوله ـ تعالى ـ: ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾(1).

والاستدلال بهذه الآية يكون بتقريبين:

التقريب الاول ـ هو الاستفادة من النهي عن أكل المال واستثناء فرض التجارة عن تراض. وتوضيح ذلك: أنّ المقصود بالأكل هنا ليس هو معناه اللغوي الأصليّ حتماً كما هو واضح، وإنّما هو كناية إما عن مطلق التصرّف، وإمّا عن التملّك.

فإن كان كناية عن التملّك فالنهي المتعلّق به نهي وضعي يقصد به البطلان، وقد استثني من هذا البطلان فرض التجارة عن تراض، وهذا يعني صحة التجارة عن تراض ومقتضى إطلاق ذلك عدم اشتراط شكلية معيّنة في التجارة.

وإن كان كناية عن مطلق التصرّف فالنهي المتعلّق به تكليفيّ، واستثناء فرض التجارة عن تراض يعني حلّيّة التصرّف بالتجارة عن تراض. وهذا يدلّ بالدلالة الالتزاميّة العرفيّة على صحّة التجارة إمّا بتقريب أنّ حلّيّة جميع التصرّفات بلا إذن البايع الموقوفة على الملك دالّة عرفاً على الملكيّة الفعليّة، أو بتقريب أنّ الخطاب متوجّه الى العرف الذي يرى التجارة عن تراض مملّكة، فينصرف الخطاب الى إمضاء ذلك، أ و بتقريب أنّ إسناد حلّ الأكل الى التجارة عن تراض إسناد المسبّب الى سببه ظاهر عرفاً في إمضاء التجارة بنفس المعنى المقصود للمتعاملين، ومقتضى الإطلاق عدم اشتراط شكليّة معيّنة في التجارة عن تراض.


(1) النساء: 29.

228

التقريب الثاني ـ هو الاستفادة من كلمة (الباطل)، حيث إنّ الاستثناء سواءفرض متّصلا أو منقطعاً يدلّ على أنّ التجارة عن تراض ليست باطلة، إذ لا يتقبّل عرفاً أن يقال: «لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا هذا الباطل». وهذا يعني صحّة التجارة المنصرفة إلى الصحّة بالمعنى الذي قصده المتعاملان من التمليك والتملّك، فهذه الدلالة تتمّ سواء فرضنا أنّ الاستثناء منقطع تمسّكاً بأصالة عدم التقدير، أو فرضناه متّصلا بأن قدّرنا شيئاً يناسب المورد كأن نقول: إنّ التقدير ما يلي: «لا تأكلوا أموالكم بينكم بكلّ سبب فإنّه باطل، إلّا أن تكون تجارة عن تراض» وذلك باعتبار أنّ الاستثناء المنقطع بطبعه وبلا نكتة ومناسبة ليس عرفيّاً، بخلاف التقدير والحذف، فإنّه وإن كان خلاف الأصل لكنّه أمر عرفيّ ومقبول، وكثير الوقوع فى الاستعمالات.

ثمّ إنّه ذكر في بلغة الفقيه(1) إشكالا على التمسّك بهذه الآية لصحّة المعاطاة، وهو أنّ هذه الآية وزانها وزان: لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب، ولا صلاة إلا بطهور، ونحو ذلك ممّا يكون مركز عموم الحكم فيه هو حكم المستثنى منه لما عدا موارد المستثنى، وليس مركز العموم هو حكم المستثنى لجميع موارده. فقوله مثلا: «لا صلاة إلّا بطهور» يعني عموم بطلان الصلاة لكلّ موارد عدم الطهارة، ولا يعني عموم صحّة الصلاة لكلّ موارد الطهارة بحيث لو صلّى متطهّراً مستدبراً للقبلة مثلا لكان هذا الكلام دليلا على صحّة صلاته. فآية التجارة عن تراض من هذا القبيل، فهي إنّما تدلّ على عموم حرمة أكل المال لكلّ موارد فقدان التجارة عن تراض، ولا تدلّ على جواز أكل المال في كلّ موارد حصول التجارة عن تراض، أي أنّها مسوقة لبيان شرطيّة المستثنى من دون نفي شرطيّة شيء آخر.


(1) راجع بلغة الفقيه 2: 103 - 104.

229

وأجاب على ذلك: بأنّ الاستثناء هنا منقطع بخلاف الحال في مثل لا صلاةإلّا بفاتحة الكتاب، أو لا صلاة إلّا بطهور. وفي مورد الاستثناء المنقطع لا يكون مركز العموم هو حكم المستثنى منه لما عدى موارد المستثنى، لأنّ مغايرة المستثنى للمستثنى منه بالجنسية في المنقطع تبطل كون ما عدا المستثنى من جنس المستثنى منه كلّيّة حتـى يؤخذ بعموم الحكم فيـه، إذن فمركز العموم إنّما هو حكم المستثنى، ويكون الكلام مسوقاً لبيان حكم المستثنى فقط، وإنّما ذكر المستثنى منه توطئة لذلك. فهذا الإشكال إنّما يمكن تماميّته بناءً على حمل الآية الكريمة على الاستثناء المتّصل.

إلّا أنّ حملها على الاستثناء المتّصل غير صحيح، إذ أوّلا يستلزم الحذف والتقدير، وهو خلاف الأصل. وثانياً يستلزم الالتزام بالنسخ أو كثرة التخصيص المستهجن، إذ لو كان الاستثناء متّصلا لدلّت الآية على حرمة الأكل بكلّ ما عدا التجارة عن تراض، مع أنّه كما يحلّ الأكل بذلك كذلك يحلّ بالهبات والوقوف والصدقات والوصايا واروش الجنايات وسائر النواقل الشرعيّة والإباحات بقسميها الشرعيّة والمالكيّة. فكيف يكون مطلق غير التجارة عن تراض أكلا بالباطل، ولا كذلك على المنقطع لرجوعه إلى ذكر السبب الخاص لا حصر الأسباب به؟

أقول: إنّ هذا الكلام من أوّله إلى آخره لا يمكن المساعدة عليه.

أمّا كون الحذف خلاف الأصل فيمكن الجواب عليه بكون الاستثناء المنقطع من دون مناسبة مقبولة أمر غير مطبوع عرفاً، بخلاف الحذف الذي هو مقبول وكثير الوقوع في الاستعمالات.

وأمّا لزوم النسخ أو كثرة التخصيص المستهجن، فقد أجاب عليه السيّد

230

الخوئيّ (رحمه الله) أنّ ما عدّه من أسباب جواز الأكل كلّما كان منها مشتملا على القبول كالهبات والصدقات والوصايا بناءً على اعتبار القبول في الوصيّة داخل في التجارة عن تراض. وأمّا ما لا يشتمل على القبول كالوقوف والإباحات والوصايا بناءً على عدم اعتبار القبول فيها، فهي وإن لم تكن من التجارة لكنّها أوّلا ليست في الكثرة بمقدار يوجب استهجان التخصيص، وثانياً هي خارجة عن حدود المستثنى والمستثنى منه من الآية تخصّصاً لا تخصيصاً؛ لأنّ المستثنى منه إنّما هو أكل مال الغير بعنوان التملّك، وهذا إنّما يكون فيما يحتاج إلى القبول(1).

أقول: لعلّ مقصوده: أنّ الأكل في الآية كناية عن التملّك، فما يدخل في ملك الإنسان من دون تملّك أو يباح للإنسان من دون تملّك ليس داخلا في مورد الآية. أمّا إذا فسّرنا الأكل بمعنى التصرّف فهذا البيان الأخير لا يأتي:

وعلى أيّة حال، فحتى لو تسجّل إشكال صاحب البلغة على فرض كون الاستثناء متّصلا من لزوم كثرة التخصيص مثلا فهذا لا يهمنا، فإنّه لا علاقة له بما هو المقصود من الاستدلال بالآية، إذ لم يكن متوقّفاً على كون الاستثناء متّصلا.

وأمّا ما ذكره من أنّ الاستثناء إذا كان منقطعاً فالعموم لا يتركّز في المستثنى منه لعدم صحّة شموله لجميع ما عدا الاستثناء، فيتركّز في المستثنى، فهو مع أصل الإشكال الذي يفرض هذا جواباً عليه من أنّ العموم في موارد الاستثناء يتركّز في شمول حكم المستثنى منه لجميع الموارد ما عدا المستثنى لا في المستثنى غريب، فلا أدري ما هو الوجه في افتراض أنّ العموم يتركّز في طرف المستثنى منه فحسب؟! وهل أنّ أداة الاستثناء هي التي تخلق العموم في المستثنى منه فيقال


(1) مصباح الفقاهة 2: 104 - 105.

231

مثلا: إنّ أداة الاستثناء إنّما تخلق العموم في المستثنى منه لا في المستثنى؟! ولو تمّ ذلك فلا أدري ما هو الوجه في الجواب عليه بأنّه في الاستثناء المنقطع حيث لا يمكن تركّز العموم في المستثنى منه يتركّز في المستثنى؟ ومن الواضح أنّ تركّز العموم في المستثنى منه بلحاظ أفراد المستثنى منه ممكن، بلا فرق بين الاستثناء المتّصل والمنقطع، وتركّز العموم في أفراد اُخرى غير أفراد المستثنى منه وغير المستثنى لا يمكن، بلا فرق بين الاستثناء المتّصل والمنقطع.

وأمّا أصل النقض بمثل لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب، أو لا صلاة إلّا بطهور فهذا هو الإشكال المنقول عن أبي حنيفة على دلالة الاستثناء على عموم المفهوم، والذي أجاب عليه صاحب الكفاية في كفايته تارةً بأنّ الصلاة إمّا هي اسم للصحيح أو محمولة في مثل هذا النصّ على الصلاة التامّة المأمور بها، فالنص يدل على أنّ الصلاة التامة لا تكون إلّا مع طهور، أمّا أن تتمّ الصلاة الناقصة بنقص آخر بواسطة الطهور فلا. واُخرى بأنّه إن لم يثبت المفهوم في مورد لعلمنا بالحال فهذا لا يعني إنكار المفهوم على الإطلاق(1). وأجاب عليه في تعليقته على الكفاية بأنّ المراد من المستثنى منه في مثل هذا المثال هو نفي الإمكان، ومقتضاه إمكان ثبوته مع المستثنى لا وقوعه.

أقول: الحمل على الإمكان خلاف الظاهر، فإنّ الفعل المقدّر المتعلّق به الظرف هو من أفعال العموم عادة كالوجود لا الإمكان، وأمّا علمنا بالقرينة بعدم المفهوم فقد يكون مقصود أبي حنيفة وضوح عدم دلالة (لا صلاة إلّا بطهور، أو إلّا


(1) راجع الكفاية 1: 326 - 327 مع تعليقته هو على الكفاية في الصفحة 326 بحسب الطبعة التي معها تعليقة المشكيني.

232

بفاتحة الكتاب) على المفهوم العامّ بقطع النظر عن القرينة وعلمنا الخارجيّ. والانصاف أنّه لا ينبغي الشكّ في عدم الدلالة في مثل هذا المثال.

وأمّا الجواب الأوّل لصاحب الكفاية في كفايته ـ فبناءً على كون الصلاة اسماً للأعمّ ـ لا يتم أيضاً، إذ لا موجب لحمل الكلام على نفي الصلاة التامّة، بل يحمل على نفي الصلاة نفياً تشريعيّاً، ولو تمّ هذا الوجه فإنّما يتمّ في مقابل دعوى التمسّك بإطلاق كلمة (الصلاة)، ولكن القائل بعموم المفهوم في باب الاستثناء يتمسّك بإطلاق المستثنى، فقد ينقض عليه بأنّه لو تمّ هذا الإطلاق في المستثنى لتمّ في مثل لا صلاة إلّا بطهور أو إلّا بفاتحة الكتاب، وهو يعني أنّ الطهور أو الفاتحة يصحّح الصلاة حتّى لو كان المصلّي مستدبراً للقبلة مثلا، ومن الواضح عدم دلالة له من هذا القبيل.

والتحقيق في المقام: إنّه لا مجال لدلالة مثل لا صلاة إلّا بطهور أو بفاتحة الكتاب على صحّة كلّ صلاة حتّى المستدبرة للقبلة مثلا بواسطة الطهور أو الفاتحة، وذلك لأنّه إن فرضت هذه الدلالة ناتجة من إطلاق كلمة (الصلاة) الشاملة للصلاة المستدبرة للقبلة ـ لو قلنا بأنّها اسم للأعمّ ـ، فالجواب هو أنّ الخبر المحذوف في المقام هو كلمة (موجود) أو نحو ذلك، وقد حقّقنا في علم الاُصول أنّه متى ما كان المحمول عبارة عن مثل الوجود لم يتمّ للموضوع إطلاق شموليّ، فإنّ الطبيعيّ يوجد بوجود فرد واحد منه.

وإن فرضت هذه الدلالة ناتجة من إطلاق الطهور أو الفاتحة فالجواب هو أنّ الحكم المحمول على الطهور أو الفاتحة ليس هو وجود الصلاة وتحقّقها، بحيث لو أنّ أحداً تطهّر مثلا حصلت الصلاة سواء فعل شيئاً آخر أو لا، وليس مدّعى من يفترض الإطلاق ذلك، وإنّما مدّعاه أنّ الإطلاق يصحّح الصلاة الفاقدة لبعض

233

الأجزاء أو الشرائط الاُخرى، وإنّما الحكم المحمول على الطهور أو الفاتحة هو تقيّد الصلاة بالطهور أو الفاتحة، وهذا التقيّد مستفاد من الباء وإطلاق الطهور أو الفاتحة عندئد يعني أنّ صلاتك مقيّدة ومشروطة بالطهور أو الفاتحة سواء كنتَ مستقبلا للقبلة أو مستدبراً لها. وهذا كما ترى لا يعني عدم تقيّد الصلاة بشيء آخر كاستقبال القبلة مثلا.

وأمّا قوله: ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض﴾فالحكم المحمول فيه على تجارة عن تراض هو نفس حلّ الأكل لا مجرّد كونه مقيّداً بالتجارة عن تراض كي يقال: إنّ هذا لا ينافي تقيّده بقيد آخر أيضاً، ومقتضى إطلاق التجارة عن تراض هو ترتّب حلّ الأكل عليها، سواء كان معها شيء آخر كالعقد بصيغة لفظيّة أوْ لا.

 

آية ﴿ أخذن منكم ميثاقاً غليظاً﴾:

ورابعاً ـ قوله ـ تعالى ـ: ﴿وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً * وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً﴾(1).

وخير وجه للاستدلال بهذه الآية هو التمسّك بعموم التعليل بأخذ الميثاق الغليظ بعد وضوح أنّ الميثاق الذي يكون في العقود ليس عادة منقسماً إلى قسمين: غليظ وغير غليظ، فليس قيد الغليظ مخرجاً لبعض أقسام الميثاق، بل هو وصف منتزع من ذات الميثاق، فكلّ ميثاق هو غليظ، فالآية تدلّ على وجوب الوفاء بالميثاق. وهذا إمّا من باب أنّ كلّ قرار مرتبط بقرار داخل في مفهوم


(1) النساء: 20 ـ 21.

234

الميثاق، أو من باب أنّ الميثاق وإن فرض اختصاصه بالاستيثاق من عمل في المستقبل ولا يشمل العقود التي تنجز أمراً حالياً كالنكاح والبيع، ولكنّ الآية قد نزّلت عقد النكاح منزلة الميثاق.

وهنا قد يُقال: إنّه بناءً على الاحتمال الأخير لا يوجد للآية إطلاق لمثل عقد البيع؛ لأنّ الآية إنّما نزّلت عقد النكاح منزلة الميثاق، ولم تدلّ على تنزيل كلّ عقد منزلة النكاح.

والجواب: أنّ الآية مسوقة مساق التعجّب والاستغراب، وهذا ظاهر في كون التعليل تعليلا بأمر مرتكز عقلائياً، لا بأمر تعبّدي بحت، ولو فرض وجوب الوفاء المقصود في الآية مختصّاً بعقد النكاح لكان حكماً تعبّدياً بحتاً، فالمقصود إذن هو الاستغراب والتعجّب من نقض عقد النكاح بنكتة عقلائية عامّة وهي أنّ كلّ قرار مرتبط بقرار حاله حال الميثاق، ويجب الوفاء به.

أمّا الإيراد على خصوص الاستدلال بهذه الآية على صحّة العقد المعاطاتي بلزوم خروج المورد من إطلاق النصّ لوضوح عدم صحّة المعاطاة في عقد النكاح، فالجواب عليه هو أنّه لا يلزم من ذلك خروج المورد، إذ لم يكن المقصود فرض اختصاص الميثاق بالعقد المعاطاتي حتّى يقال: لزم من ذلك خروج المورد لعدم صحّة المعاطاة في النكاح، وإنّما المقصود كفاية صدور الميثاق في وجوب الوفاء مع رفض أيّ شكليّة وقيد آخر في الموضوع، وإذا دلّ دليل خاصّ باشتراط شكليّة معيّنة في عقد النكاح، وهي الصيغة اللفظيّة فهذا تقييد للإطلاق في خصوص باب النكاح، ولا يسري التقييد إلى سائر الأبواب.

وتحقيق الحال في هذا الاستدلال أنّه يختلف الأمر باختلاف ما يحمل عليه قوله ـ تعالى ـ: ﴿وقد أفضى بعضكم إلى بعض﴾، ففيه احتمالان:

235

الأوّل: أن يكون هذا تعليلا أخلاقيّاً، ويكون قوله ـ تعالى ـ: ﴿وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً﴾ تعليلا قانونيّاً، فكأنّه ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: كيف يجوز لكم نقض الميثاق على الخصوص أنّ بعضكم دخل في فناء بعض وتعاشرتم وتواددتم؟! أفهل بعد المعاشرة والتوادّ يحلو لكم نقض الميثاق؟ !

وعلى هذا التفسير قد يتمُّ الاستدلال بالآية الشريفة على نفوذ العقد والميثاق.

والثاني ـ أن تكون الآية إشارة إلى ما هو المعروف في الفقه من أنّ تمام المهر إنّما يتنجّز بالدخول، فلو طلّق قبل الدخول كان له حقّ استرجاع نصف المهر، فالإمضاء كناية عن الدخول. ومفاد الآية: أنّه بعد أخذ الميثاق والدخول لا يجوز استرجاع شيء من المهر، وعليه فالآية لا تدلّ على المقصود، لأنّه وإن فهم منها ضمناً لزوم الوفاء بالميثاق لكنّها كانت بصدد بيان حكم آخر وهو لزوم المهر بعد الميثاق والدخول، ولم تكن في مقام بيان حكم الميثاق ذاتاً كي تجري بلحاظه مقدّمات الحكمة ويتمّ الإطلاق. فهذه الآية من قبيل آية: ﴿كلوا ممّـا أمسكن﴾(1) التي هي بصدد بيان التذكية لا بصدد بيان طهارة محلّ الامساك، كما أنّه لا يتمّ أيضاً جعل الآية إشارة إلى أمر ارتكازيّ عقلائي وهو وجوب الوفاء بالعقد والميثاق؛ لأنّ الارتكاز العقلائي لا يفرّق بين فرض الدخول وعدمه، والطلاق ليس فسخاً حتّى يوجب ردّ المهر.

ولا استبعد ـ بحسب الفهم العرفيّ ـ كون الاحتمال الأوّل هو الأظهر.

إلّا أنّ هناك نصّاً تامّ السند جعل كلمة (الغليظ) إشارة إلى الدخول أو


(1) المائدة: 4.

236

الإنزال فيها، حيث ورد عن بريد بسند تامّ، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله ـ عزّ وجلّ ـ: ﴿وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً﴾فقال: الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح، وأمّا قوله: غليظاً فهو ماء الرجل يفضيه إليها(1).

فلو أخذنا بمفاد هذا الحديث ولم نحمل ذلك أيضاً على إلفات النظر إلى النكتة الأخلاقيّة بطل التمسّك بهذه الآية على المقصود.

 

الناس مسلّطون على أموالهم:

وخامساً ـ المرسل المعروف عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): أنّ الناس مسلّطون على أموالهم(2). ووجه الاستدلال بذلك هو التمسّك بإطلاق متعلّق السلطنة، وأنّه يشمل مطلق التصرّفات بما فيها التصرّفات الاعتباريّة. والسلطنة على التصرّفات الاعتباريّة لا تكون بمجرّد الجواز التكليفي، بل هي تستبطن الإمضاء الشرعيّ. أمّا التمسّك بإطلاق السلطنة وشمولها لأنواع السلطنة فهو من التمسّك بإطلاق المحمول، وقد أوضحنا في محلّه أنّ إطلاق المحمول ليس شموليّاً.

وخير جواب على التمسّك بإطلاق هذا الحديث ـ بعد غضّ النظر عن سقوطه سنداً ـ ما يستفاد من كلام السيّد الخوئي (رحمه الله)من أنّ المفهوم عرفاً من هذا الحديث إنّما هو سلطنة المالك في مقابل الآخرين على التصرّفات، وهذا يعني أنّ كلّ تصرّف جائز أو نافذ في ذاته يكون المالك مسلّطاً عليه، أي أنّه هو المقدّم على الآخرين، فلا يتوقّف تصرّفه على إذن غيره، بينما لا يجوز أو لا ينفذ تصرّف


(1) الوسائل 14: 195، الباب 1 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

(2) البحار 2: 272، الباب 33 من كتاب العلم، الحديث 7، نقلا عن عوالي اللآلي.

237

غيره بلا إذنه. أمّا إذا شككنا في نفوذ تصرف مّا في ذاته كالبيع المعاطاتي فالحديث لا يدلّ على نفوذه، كما أنّه لم يتمسّك أحد بإطلاقه لجواز تصرّف شككنا في جوازه في ذاته، كما لو شككنا في حلّيّة شرب التتن، وليس هذا إلّا لأجل أنّ الحديث ينظر إلى السلطنة على التصرّفات في المال من زاوية إضافته إلى المالك وفي مقابل الآخرين، ولا ينظر إلى حكم التصرّفات في ذاتها(1).

 

المؤمنون عند شروطهم:

وسادساً ـ حديث (المسلمون أو المؤمنون عند شروطهم).

وقد ورد ذلك بأسانيد عديدة:

1 ـ فعن عبد الله بن سنان ـ بسند تامّ ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم ممّـا وافق كتاب الله ـ عزّ وجل ـ(2).

2 ـ وعنه ـ بسند تامّ ـ عن أبي عبد الله 7: المسلمون عند شروطهم، إلّا كلّ شرط خالف كتاب الله ـ عزّ وجل ـ فلا يجوز(3). ويحتمل كونهما رواية واحدة.

3 ـ وروى الشيخ بإسناده عن الصفّار عن الحسن بن موسى الخشاب عن غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمّـار عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): أنّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليفِ لها به، فإنّ المسلمين عند شروطهم، إلّا شرطاً حرّم حلالا أو أحلّ حراماً(4). وهذا السند أيضاً تامّ، فإنّ


(1) انظر مصباح الفقاهة 2: 102 والمحاضرات في الفقه الجعفري 1: 52.

(2) و (3) الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2.

(4) الوسائل 12: 354، الحديث 5، و 14: 487، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 9.

238

غياث بن كلوب يفهم توثيقه من كلام الشيخ الطوسيّ (رحمه الله) في العدّة. وحسن بن موسى الخشاب يفهم توثيقه من نصّ النجاشي بشأنه بأنّه (من وجوه أصحابنا مشهور كثير العلم والحديث). وبعض أسانيد الشيخ إلى الصفّار تامّ.

4 ـ وعن عليّ بن رئاب ـ بسند تامّ ـ عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)قال: سُئل وأنا حاضر عن رجل تزوّج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فإن لم تخرج معه فإنّ مهرها خمسون ديناراً إن أبت أن تخرج معه إلى بلاده، قال: إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ولها مائة دينار التي أصدقها إيّاها، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها والمسلمون عند شروطهم...(1).

5 ـ وعن منصور بزرج ـ بسند تامّ ـ عن عبد صالح (عليه السلام) قال: قلت له: إنّ رجلا من مواليك تزوّج امرأة ثمّ طلّقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلّا أن يجعل لله عليه أن لا يطلّقها ولا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثمّ بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع، وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له فليفِ للمرأة بشرطها، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: المؤمنون عند شروطهم(2). والظاهر أنّ المقصود بـ «عبد صالح» هو الإمام الكاظم (عليه السلام)، فإنّ منصور بزرج يروي عن الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وينصرف هذا التعبير إلى الإمام رغم عدم الألف واللام كانصراف المضمرات إلى الإمام (عليه السلام).

وأمّا تطبيق الحديث المروي فيه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على المورد المذكور


(1) الوسائل 15: 49، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 2.

(2) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.

239

في كلام منصور من قِبل الإمام الكاظم (عليه السلام)، فلو لم يقبل وحمل على التقيّة لم يضرّ ذلك بأصل الحديث المرويّ فيه عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، وهو قوله: المؤمنون عند شروطهم.

وعلى أيّة حال، فوجه الاستدلال بحديث (المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم) على وجوب الوفاء بالعقد ونفوذه أيّاً كان شكله هو دعوى صدق الشرط على العقد.

ويمكن الإيراد على ذلك بإشكالين:

1 ـ الشرط الضمني والشرط الابتدائي:

الإشكال الأوّل ـ أنّ الشرط حقيقة في الشرط الضمني، أي الالتزام الذي يكون في ضمن العقد، وإطلاقه على الشرط الابتدائي مجاز، وعليه فالبيع مثلا الذي هو عقد وليس شرطاً في ضمن العقد ليس مشمولا لنصوص (المسلمون عند شروطهم).

ويشهد لهذا الإشكال ما عن بعض أهل اللغة من تفسير الشرط بمثل (إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه).

أقول: إن كان المقصود بالشرط الضمنيّ ما يشمل كلّ التزام متقابل مع التزام آخر باعتبار أنّ مجموع الالتزامين عقد، وقد وقع كلّ واحد من الالتزامين ضمن هذا العقد. فهذاالإشكال لايوجب خروج مثل البيع عن إطلاق نصوص (المسلمون عند شروطهم)، إذ بالإمكان أن يُقال عندئذ: إنّ كلاّ من الإيجاب والقبول في البيع مثلا يستبطن التزاماً ضمن مجموع الالتزامين المتقابلين والشرط الابتدائي إنّما هو ذاك الالتزام الذي لا يقابله التزام آخر من قِبَل الشخص الآخر. وكلمات اللغويّين قابلة للحمل على هذا المعنى بأن يكون مقصودهم بالضمنيّة ما ذكرناه.

240

وإن كان المقصود بالشرط الضمنيّ خصوص ذاك الالتزام الذي وقع ضمنعقد مؤتلف من التزامين غير ذاك الشرط، بأن يكون ذاك الشرط شيئاً زائداً على أصل الإيجاب والقبول اُخذ ضمن الإيجاب والقبول، فهذا هو الذي لا يصدق على مثل البيع، لأنّه لم يكن ضمن عقد آخر، ولكن بالإمكان إثبات كون معنى الشرط أوسع من ذلك، فهو يشتمل الالتزام المتقابل مع التزام آخر إن لم يشمل الشرط الابتدائي البحت، وذلك بعدّة بيانات:

أ ـ موارد الاستعمال لكلمة (الشرط):

البيان الأوّل ـ الاستشهاد بجملة من موارد الاستعمال التي استعمل الشرط فيها في الالتزام المتقابل لالتزام آخر لو لم يكن مستعملا في الالتزام الابتدائيّ البحت. وهنا يمكن النقاش بلحاظ كلّ مورد من موارد تلك الاستعمالات: بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة. ولكن قد نستطيع أن نحصل بالفحص على نسبة من الاستعمالات كافية لحصول الجزم أو الاطمئنان بأنّها ليست جميعاً مجازيّة.

وهذا الوجه بحاجة إلى فحص واسع نسبيّاً، إلّا أنّنا نشير بهذا الصدد إلى بعض موارد الاستعمالات.

1 ـ ورد في بعض الروايات «شرط الله قبل شرطكم»(1). ومن الواضح أن شرط الله لم يكن في ضمن العقد بالمعنى الأوّل. وغاية ما يمكن فرضه فيه هي تقابله بالالتزام بالثواب مثلا، فالله ـ تعالى ـ ألزمنا بالطاعة في مقابل التزامه بالثواب.


(1) من قبيل ما في الوسائل 15: 31، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 6، و: 47 الباب 38 منها الحديث 1.

241

2 ـ ونحوه ما ورد في دعاء الندبة «اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيمالمقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها، فشرطوا لك ذلك...» فغاية ما يمكن افتراض النظر في هذا النصّ إلى ضمنيّة الشرط هي تقابل الإلزام بالزهد بالالتزام بجزيل النعيم من دون أن يكون الشرط أمراً مغايراً للعقد، وواقعاً ضمن العقد.

3 ـ ما ورد في دعاء الصحيفة «وأوجب لي محبّتك كما شرطت، ولك يا ربّ شرطي أن لا أعود» فهذا الشرط أيضاً ليس شرطاً مغايراً للعقد واقعاً ضمن العقد، وغاية ما يفترض في المقام هي النظر إلى التقابل بين التزام العبد بالتوبة أو بعدم العود، والتزام الربّ ـ تعالى ـ بالمحبّة.

4 ـ ما ورد في حكاية بيع بريرة ـ على ما جاء في مستدرك الوسائل(1) ـ «الولاء لمَن أعتق، وشرط الله آكد» والتعبير الوارد في مكاسب الشيخ الأنصاري (رحمه الله): أنّ قضاء الله أحقّ وشرطه أوثق والولاء لمن أعتق(2). والظاهر أنّ هذا التعبير مأخوذ من روايات العامّة.

5 ـ إطلاق الشرط في بعض الروايات على خيار الحيوان وخيار المجلس(3)، فقد يكون ذلك بمعنى كونه إلزاماً من قبل الله ـ تعالى ـ إمّا بلحاظ كون الشرط صادقاً على مطلق الإلزام حتّى الابتدائيّ البحت، أو بلحاظ كونه


(1) 2: 473، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 2.

(2) 2: 275، أوّل بحث الشروط، حسب الطبعة المشتملة على حاشية الشهيدي.

(3) راجع الوسائل 12: 346، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث 3، و: 349، الباب 3 منها، الحديث 1، 4 و 5، و: 350، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1، و: 352، الباب 5 منها، الحديث 2.

242

إلزاماً من قبله ـ تعالى ـ في مقابل الالتزام بالجزاء والثواب لمن يفي من العبيد بالالتزامات الثابتة عليه من قبل المولى سبحانه.

ب ـ التحليل العقلائي للشرط:

البيان الثاني ـ إلفات النظر إلى تحليل عقلائي في المقام. وتوضيحه: أنّه لا ينبغي إلإشكال في أنّ الشرط في نظر العقلاء مقتض بذاته لوجوب الوفاء، وليس وجوب الوفاء بالشرط حكماً تعبديّاً بحتاً، فإذا استطعنا أن نلقي ضوءاً بالتحليل العقلائيّ على ما يقتضي وجوب الوفاء واستبعدنا دخل بعض العناصر عقلائيّاً في هذا الحكم عرفنا أنّ ذاك العنصر ليس دخيلا في مفهوم الشرط.

وعلى هذا الأساس نقول: إنّ العنصر المؤثّر في وجوب الوفاء عقلائيّاً إمّا هو مطلق التعهّد والالتزام وإن كان ابتدائيّاً بحتاً، أو خصوص الالتزام الضمنيّ بأن تكون الضمنيّة عنصراً دخيلا في وجوب الوفاء. فإن فرض الأوّل فلا إشكال في شمول الشرط للشرط الابتدائيّ بمعنى مطلق التعهّد والالتزام. وإن فرض الثاني بأن تكون الضمنيّة عنصراً دخيلا في وجوب الوفاء قلنا: إنّ الضمنيّة التي تفترض دخيلة في وجوب الوفاء يحتمل فيها عدّة معان:

الأوّل ـ أن يكون المقصود بها مجرّد ظرفيّة العقد لذكر الشرط بقطع النظر عن أيّ ربط آخر بين الشرط والعقد. ومن الواضح أنّ الظرفيّة بما هي ظرفيّة لا أثر لها عقلائيّاً في وجوب الوفاء.

والثاني ـ أن يكون المقصود بها القيديّة بأن يكون الشرط مقيّداً لمتعلّق العقد ومحصّصاً له. ومن الواضح أنّه لو كان المقصود بالشرط الضمني ذلك لكان هذا مستلزماً لكون الشرط الفاسد مفسداً للعقد، ولكون عدم وفاء المشروط عليه بالشرط موجباً لعدم إمكان الوفاء بالعقد من قبل الطرف الآخر في حالة فقدان ما

243

اشترط، لا موجباً لخيار الفسخ. ومن الواضح عقلائيّاً أنّ تخلّف الشرط إنّما يوجب خيار الفسخ لا أكثر من ذلك.

والثالث ـ أن يكون المقصود بها الداعويّة، بأن يكون التزام المشروط عليه بالشرط هو الذي دعا المشروط له إلى قبول الدخول في العقد، والالتزام به، وتخلّفه لا يوجب فساد العقد أو عجز المشروط عليه عن الوفاء بالعقد؛ لأنّ تخلّف الداعي لا يؤثّر شيئاً من هذا القبيل، إذ لم يكن قيداً في متعلّق العقد، ولكن تخلّفه يوجب الخيار للمشروط عليه رغم أنّ تخلّف الداعي في سائر الموارد لا يوجب الخيار، وذلك لأنّ السبب في اعتقاد الشخص بالداعي الذي أوجب دخوله في العقد لم يكن هو إغراء صاحبه إيّاه وإيحاءه إليه بذلك الداعي، ولذا لم يوجب تخلّفه الخيار.

أمّا إذا كان صاحبه هو الذي أغراه بذلك وأوحى إليه ذلك فتخلّفه يوجب في نظر العقلاء الخيار، بنكتة أنّ المغرور يرجع إلى من غرّه. فمثلا لو أنّ أحداً اشترى الدواء لعلاج ابنه باعتقاد كون ابنه مريضاً، ثمّ انكشف الخلاف لم يكن له خيار الفسخ، لأنّ مجرّد تخلّف الداعي لا يوجب الخيار، ولكن لو كان الصيدليّ هو الذي أغراه وأوحى إليه بأنّ ابنه مريض فصدّقه واشترى منه الدواء، ثمّ تبيّن الخلاف، فهنا يوجد له عقلائيّاً خيار الفسخ. وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنّ التزام المشروط عليه هو الذي أغرى المشروط له ودعاه إلى الدخول معه في العقد، فتخلّفه يوجب الخيار.

أقول: إنْ كان هذا هو معنى ضمنيّة الشرط، فهذا ثابت في كلّ التزام متقابل للالتزام الآخر حينما يكون أحد الالتزامين هو الداعي لالتزام الآخر، ولو لم يكن الالتزام الآخر عبارة عن الالتزام بعقد واجد للإيجاب والقبول المغايرين تماماً

244

للشرط. والفرق بين هذا وبين الشرط في ضمن العقد بمجرّد أنّ ما يقابل الشرط في الثاني هو الدخول في عقد كامل ذي إيجاب وقبول غير الشرط، وفي الأوّل هو مجرّد التزام في مقابل الالتزام بالشرط ليس عقلائيّاً فارقاً موجباً لوجوب الوفاء وعدمه، فلو كانت الضمنيّة بهذا المعنى لزم كون دخل هذا العنصر في وجوب الوفاء دخلا تعبّدياً صرفاً، وقد فرضنا منذ البدء أنّ اقتضاء الشرط بذاته للوفاء يكون أمراً عقلائياً، وليس تعبّداً بحتاً.

والواقع أنّ ارتباط الشرط بالعقد الموجب للخيار لدى تخلف المشروط عليه ليس منحصراً بداعويّته لقبول المشروط له بالعقد، ولذا ترى أنّ الخيار ثابت عقلائيّاً للمشروط له عند تخلّف المشروط عليه حتّى في المورد الذي كان للمشروط له داع آخر تامّ الداعويّة إلى دخوله في العقد من دون حاجة إلى ضمّ الشرط إليه، وإنّما اشترط ذلك الشرط طلباً للمزيد من الخير، إذن فللشرط في ضمن العقد ارتباط آخر بالعقد زائداً على مسألة الداعويّة، وهو التقابل الذي نشرحه في الاحتمال الرابع.

وأيضاً يرى العقلاء ثبوت الخيار في تخلّف الوصف في الموارد الراجعة إلى تخلّف الشرط، كما لو باعه العبد الكاتب فتبيّن أنّه ليس بكاتب مع أنّه ربما يفترض أنّ البايع لم يكن هو الذي أغراه في المقام، بل المشتري هو كان من أوّل الأمر معتقداً أنّ هذا العبد كاتب والبايع أيضاً كان معتقداً نفس الاعتقاد، فتبايعا مبنيّاً على كونه كاتباً.

والرابع ـ أن يكون المقصود بها التقابل بين الشرط والعقد، بمعنى أنّ الالتزام بالشرط من طرف المشروط عليه، والالتزام بالعقد من طرف المشروط له متقابلان، أي جعل أحدهما مكافأة للآخر، فكأنّهما أمران متبادلان، لو قدّم

245

أحدهما البدل رأى الآخر نفسه ملزماً بتقديم المبدل. وهذا غير تقيّد متعلّق أحدهما بالآخر بمعنى التحصيص، فإنّ التقابل بين أمرين يستدعي استقلال أحدهما عن الآخر لا التحصيص به، ولذا ترى أنّ التخلف عن الشرط لا يوجب عجز الشخص الآخر عن الوفاء بالعقد، وإنّما يوجب الخيار، فإن كانت نكتة وجوب الوفاء هي هذا التقابل فهذه موجودة في كلّ التزامين متقابلين من دون حاجة إلى اشتراط كون أحدهما في ضمن عقد متكامل واجد للإيجاب والقبول بقطع النظر عن الشرط، فنكتة التقابل هي التي أوجبت الوفاء. أمّا فرض دخل كون أحد الطرفين عبارة عن الدخول في عقد واجد للإيجاب والقبول مغاير للشرط، فهو يرجع إلى كون تأثير الشرط في وجوب الوفاء تعبّدياً بحتاً، وقد استبعدنا ذلك منذ البدء.

وبهذا التحليل نعرف أنّ الشرط إن سلّم كونه اسماً لخصوص الشرط الضمني دون الابتدائي فإنّما نسلّم ذلك بمعنى يشمل مطلق التزام في مقابل التزام، وبما أنّ العقد بمعنى قرار مرتبط بقرار يستبطن دائماً التزاماً مرتبطاً بالالتزام إذن يمكن التمسّك لإثبات وجوب الوفاء به بدليل (المسلمون عند شروطهم).

وفي الختام نشير إلى أمرين:

أحدهما: وجوب الوفاء بالعهد:

أ نّا لو سلّمنا اختصاص الشرط بمعناه الحقيقي بالشرط الضمني، فهذا لا يعني الإفتاء بعدم وجوب الوفاء بالشرط الابتدائي، فإنّ الشرط الابتدائي إذا كان بمعنى التزام شخص لشخص وتعهّده له بأمر مّا، فإنّ هذا يجب الوفاء به، إذ لو لم يكن داخلا في قوله: «المسلمون أو المؤمنون عند شروطهم» فهو داخل ـ بلا إشكال ـ في آيات الأمر بالوفاء بالعهد والعقد.

246

نعم، مجرّد الوعد غير المشتمل على الالتزام والتعهّد لا يجب الوفاء به وإن كان مستحبّاً.

والثاني: الرهن مع الإيجار:

قد تعارف بين جمع من الناس تعامل يسمّى برهن البيت مع الإيجار، وحاصله: أنّ أحدهم يقرض مبلغاً للآخر، والآخر يؤجّره البيت بسعر منخفض. وقد صدرت من بعض الأعلام الفتوى بالتفصيل في جواز ذلك وعدمه بين ما إذا كان القرض شرطاً في ضمن عقد الإيجار فيجوز، لأنّه اشترط في ضمن العقد شرطاً سائغاً فهو نافذ، وما إذا كان الإيجار شرطاً في ضمن عقد القرض فلا يجوز، لأنّه دخل ذلك تحت عنوان (قرض جرّ نفعاً).

أقول: قد اتّضح بما ذكرناه أنّه لا معنى لهذا التفصيل، فإنّ الضمنيّة هنا ليست بمعنى التقييد كما مضى، والضمنيّة بمعنى الظرفيّة البحتة من دون أيّ ربط آخر لا أثر لها، و لا تجعل القرض قرضاً جرّ نفعاً، والضمنيّة بمعنى الداعوية أو التقابل ثابتة من كلا الطرفين، ومجرّد ذكر هذا في ضمن ذاك أو بالعكس ليس عدا فارق في الصياغة اللفظيّة لا تؤثّر على المحتوى الحقيقي للمعاملة إطلاقاً.

نعم، بالإمكان أن يقال في أصل هذه المعاملة: إنّها قد لا تستبطن قرضاً جرّ نفعاً، لأنّ البيت المرهون اجرته أقلّ من اُجرة البيت غير المرهون لعجز المالك من إيجاره لغير المرتهن، فإذا استأجره المرتهن بسعره السوقي النازل لم يكن هنا نفع.

ويرد عليه: أنّ الرهن لو كان مؤثّراً في تقليل المنفعة الاستعمالية للبيت، وعلى هذا الأساس تنزّلت قيمة الإيجار، كان هذا الكلام صحيحاً، ولكنّ الواقع ليس هكذا، فإنّ تنزّل قيمة الإيجار في المقام إنّما هو نتيجة عجز المالك من إيجاره لغير المرتهن، وهذا يؤدّي وجداناً إلى انتفاع المقرض.

247

نعم، لو تمّ الإقراض من دون أن يكون المقترِض في مقابل ذلك ملزماً بإيجار البيت بسعر منخفض، ثمّ بدا له بمحض اختياره أن يؤجّره من المرتهن بسعر منخفض، فهذا خارج عن محلّ الكلام، ولا إشكال فيه.

وقد يُقال انتصاراً للتفصيل بين ما إذا كان القرض شرطاً في ضمن الإيجار أو العكس بأنّه لو وقع القرض أولا واشترط في ضمنه الإيجار بسعر منخفض، فمن الواضح أنّ هذا قرض جرّ نفعاً. أمّا لو وقع الإيجار أوّلا واشترط في ضمنه القرض فالقرض الذي يقع بعد الإيجار لا يسمّى عرفاً مشروطاً بالإيجار. صحيح أنّه لولا الإيجار لما كان يقرضه، ولكن بما أنّ الإيجار متحقّق بالفعل فالقرض سوف لن يكون مشروطاً بالإيجار.

أمّا ما يُقال من أنّ تحقّق الشرط لا يخرج الأمر المشروط مثلا عن كونه مشروطاً فهذا إنّما يتمّ في أمر أو قرار أو عقد وقع مشروطاً ثمّ تحقّق شرطه، كما لو قال المولى: إذا زالت الشمس فصلِّ ثمّ زالت الشمس، فزوال الشمس لا يخرج الصلاة عن كونها واجباً مشروطاً إلى الوجوب المطلق. أمّا لو زالت الشمس فأوجب ذلك أن يأمر المولى عبده بنحو القضيّة الخارجيّة بالصلاة لا بنحو القضيّة الحقيقية، فهذا الأمر لا يسمّى مشروطاً، وكذلك الحال في المقام، فلو تمّ عقد القرض بشرط الإيجار فهذا قرض مشروط وبعد ذلك لو تحقّق الشرط وهو الإيجار لم يخرج عقد القرض عن كونه مشروطاً. أمّا لو تمّ أوّلا الإيجار بشرط القرض، ثمّ تمّ القرض فهذا القرض ليس مشروطاً، لأنّ ما كان من المتوقّع أن يكون شرطاً له هو حاصل بالفعل.

والواقع: أنّ هذا التفصيل غير صحيح، فإنّه إن كان تقدّم الإيجار على القرض بمعنى عدم ترابط بينهما، أي أنّه حينما تمّ الإيجار لم يكن الاتّفاق الذي

248

تمّ بينهما قبل العقد على التقابل بين الإيجار والقرض، ولكن بعد أن تمّ الإيجاربسعر منخفض بدا للمستأجر أن يكافئ الموجَر بالقرض، فهنا لا يعتبر القرض قرضاً بزيادة، أو قرضاً ربويّاً. أمّا إذا كان الاتّفاق منذ البدء، بينهما على التقابل والداعويّة بينهما وأنّه لا قرض بلا إيجار كما لا إيجار بلا قرض، فهذا القرض لا محالة قرض جرّ نفعاً وزيادة، وهو ربا سواء سمّي مشروطاً أو لم يسمّ، ولذا ترى أنّ العرف حينما يسمع حرمة القرض بزيادة لا يفرّق بين الإقراض بشرط الزيادة أو هبة الزيادة بشرط القرض، فكما يكون إقراض مائة دينار بشرط زيادة عشرين ربا، كذلك تكون هبة عشرين ديناراً بشرط الإقراض الذي لم يكن يتمّ لولا الهبة رباً في القرض، لا بمعنى أنّ العرف يتعدّى من تحريم القرض الربوي إلى تحريم الثاني، بل بمعنى أنّه هو هو.

حكم الحيلة في الربا:

نعم هناك حيل شرعيّة تكون في واقعها غير القرض الربوي قد يدّعى أنّ العرف يتعدّى من دليل حرمة الربا إليها، وقد لا يدّعى من قبيل أن يتّفقا على بيع متاع بسعر مّا مؤجّلا، ثمّ شراؤه من المشتري بسعر أقلّ معجّلا، ومن قبيل بيع متاع بالنسيئة مع إضافة في القيمة لأجل كون الثمن نسيئة، بحيث لو وافق المشتري على أن يشتريه بثمن معجّل لكان يبيعه إيّاه بأقلّ من ذلك، وإنّما زاد في الثمن بنكتة كونه مؤجّلا.

ولا يبعد أن يُقال في هذه الحيل بالتفصيل بين ما لا يشتمل على غرض غير نفس غرض الربا كما في المثال الأوّل، وإنّما بدّلت الصياغة فراراً من الربا، وبين ما يشتمل على غرض آخر، ولكنه يشتمل في نفس الوقت على نفس الأثر الموجود في القرض الربوي، كما في مثال بيع النسيئة، فالأوّل يكون حراماً لأنّه لو حلّ كان معنى ذلك أنّ تحريم قرض الربا تعبّدي بحت، وهو ممّـا يقطع بخلافه،

249

أو لا يقبله الفهم العرفيّ من الدليل. وأمّا الثاني فلا دليل على حرمته إذ لعلّ الغرضالآخر حلّل المعاملة، ومجرّد اشتمالها ضمناً على نفس أثر الربا لا دليل على كونه موجباً للتحريم، لأنّ الأثر الاقتصادي للربا كان حكمة للحرمة، ولم يثبت كونه علّة لها، بمعنى أنّه متى ما وجد وجدت الحرمة، وأنّه لا يمنع عنها مانع، وأنّه لا يكون تحريم ما عداه كافياً لإشباع الحكمة المقصودة.

ومن هنا نقول: لو باع غرفة من البيت بالمبلغ الذي كان يريد اقتراضه ببيع خياريّ، أي بشرط أنّ لهما الخيار على رأس السنة مثلا وأجّر باقي البيت بسعر أقلّ من سعر إيجار تمام البيت جاز ذلك، لاشتمال ذلك على غرض آخر غير الإقراض بفائدة، وهو نفس غرض تحصيل الغرفة للسكنى، وهذا بخلاف مثال التوافق على بيع متاع بسعر أكثر مؤجّلا ثمّ شراؤه منه بثمن أقلّ معجّلا، فإنّ هذا لا يشتمل بتاتاً على غرض غير القرض الربوي لا بمعنى أنّ البيعين صوريّان، فيكون هذا ربا حقيقة، بل بمعنى أنّ الغرض النهائي ليس عدا نفس غرض القرض الربوي، وفتح مثل هذا الباب يؤدّي إلى كون تحريم القرض الربوي تعبّداً بحتاً.

ونحن نفرّق بين القرض الربوي والقرض المعامليّ، فحرمة القرض المعامليّ حكم تعبّديّ بحت، ولذا ترى أنّ مبادلة الموزون بالموزون مع زيادة الرديء منهما على الجيّد، أو مبادلة الذهب الجيّد بذهب رديء أكثر منه مثلا غير جائز، مع أنّ الرديء المشتمل على الزيادة قد لا يكون أكثر قيمة من الجيّد الذي هو أقلّ منه، ولا تتصوّر في ذلك أيّة نكتة اقتصادية مفهومة ـ ولو إجمالا ـ ، فهذا الحكم ليس إلّا تعبّداً بحتاً، ويجوز التخلّص منه بالحيلة كما وردت بذلك بعض الروايات(1).


(1) راجع الوسائل الجزء 12: 455 الباب 20 من أبواب الربا، و 466 الباب 6 من أبواب الصرف.

250

وأمّا الربا القرضي فهناك نكتة اقتصاديّة مفهومة لدى العرف ـ ولو إجمالا ـلتحريمه، وهي وقوع الزيادة مقابلا للزمان محضاً من دون القيام من قِبَل المرابي بأيّ عمل مفيد، فقد يدّعى القطع بأنّ تحريم القرض الربوي ليس حكماً تعبّديّاً بحتاً، أو يدّعى أنّ هذا هو المفهوم عرفاً، إذن فلا يصحّ التخلّص منه بالحيلة التي يكون الهدف منها تماماً هو هدف القرض الربوي، إذ لو جاز ذلك لأصبح الحكم تعبّديّاً بحتاً، نعم ما كان يشتمل على هدف آخر ويترتّب عليه ضمناً أثر الربا لا يلزم عرفاً من تحليله كون تحريم الربا تعبّديّاً صرفاً، ولا يتعدّى العرف من القرض الربوي في التحريم إلى تلك المعاملة.

القرض المشروط بمعاملة مربحة:

وبالإمكان أن يُقال: إنّ الربا إنّما هي الزيادة الكميّة في المال بأن يقرضه مالا ويسترجع منه ما هو أكثر منه، أو الزيادة الكيفيّة بأن يقرضه مالا من القسم الرديء ويسترجع منه القسم الجيّد. أمّا جعل القرض مشروطاً بمعاملة مربحة فليس ربا، ومثال الرهن مع الإيجار من هذا القبيل، فالمستأجر يقرض الموجِر مبلغاً من المال من دون أن يسترجع منه مبلغاً أكثر، غاية ما هناك أنّه يجعل القرض مشروطاً بإيقاع معاملة مربحة له، وهي إيجار البيت بسعر زهيد، وهذا ليس ربا.

والدليل على جواز القرض المشروط بمعاملة مربحة، وعدم دخول ذلك في الربا المحرّم هو ورود روايات بذلك(1). والصحيح سنداً منها منحصر برواية


(1) ذكرها في الوسائل 12: 381، الباب 9 من أبواب أحكام العقود. والرواية الأخيرة منها إضافة إلى ضعفها السندي قابلة للنقاش الدلاليّ، باعتبار أنّه لا يفهم منها بشكل واضح كون المعاملة المربحة شرطاً في مقابل القرض، فلعلّهم كانوا مستعدّين لإرباحه مطلقاً فكان ذلك داعياً له إلى الإقراض، راجع المصدر، الحديث 7.

251

واحدة هي ما ورد عن محمّد بن إسحاق بن عمّـار، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام):يكون لي على الرجل دراهم، فيقول أخّرني بها وأنا اربحك فأبيعه جبّة تقوّم عليّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم، أو قال بعشرين ألفاً واؤخّره بالمال، قال: لا بأس(1). ومحمّد ابن إسحاق بن عمّـار رجل صيرفيّ فقد يتّهم في هذه الرواية، باعتبار أنّ هذا النحو من المعاملة يناسب وضعه، لكنّه ثقة، بل هو في أعلى درجات الوثاقة على ما قاله المفيد (رحمه الله) من أنّه: من خاصّة الكاظم (عليه السلام) وثقاته، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته(2) فاتّهام رجل من هذا القبيل في ذلك بعيد.

ولكن مع ذلك في النفس شيء من العمل بهذه الرواية، وذلك لأنّه إن صحّ القرض المشروط بمعاملة مربحة لكان تصحيح القروض الربويّة جميعاً من أسهل ما يكون، وذلك بالإقراض من دون ربح مع بيع متاع زهيد بمبلغ يشتمل على الربح المطلوب. وهذا لا يكون إلّا إذا حملنا تحريم القرض الربوي على التعبّد البحت، فيجوز عندئذ كلّ أقسام الحيل من قبيل بيع متاع على من يحتاج مبلغاً من المال بسعر كبير مؤجّلا، وشرائه منه بثمن أقلّ معجّلا(3). أمّا إذا لم نحتمل التعبّد


(1) الوسائل 12: 380، الباب 9 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4.

(2) الإرشاد 2: 248.

(3) إن لم يكن هذا بشرط فلا إشكال فيه، وإن كان بشرط فهو غير جائز لورود النهي عن ذلك تارةً بلسان المنع عن بيع العينة مع كون البيع الثاني مشروطاً في البيع الأوّل من قبيل حديث عليّ بن جعفر... «إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس». راجع الوسائل 12: 371، الباب 5 من أبواب أحكام العقود، الحديث 6. واُخرى بلسان المنع عن الإلزام بالبيع الثاني قبل تماميّة البيع الأوّل وإن كان مورد الحديث هو البيع من شخص ثالث من قبيل حديث معاوية بن عمّـار الوارد في الوسائل 12: 377، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث 7.