261

 

 

 

 

 

إثبات إمامة الأئمّة(عليهم السلام)

 

إمامة علي(عليه السلام) بلا فصل

 

نبحث فيما يلي عن إمامة علي(عليه السلام) ونتمسّك لإثباتها ببعض الآيات القرآنية:

 

آيتا: التبليغ والإكمال

 

يمكن الاستدلال بآيتي التبليغ والإكمال لإثبات إمامة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)بلا فصل بإضافة جملة مختصرة على ما تقدّم من الاستدلال بهما لإثبات التنصيص وإبطال الشورى، وذلك بأن يقال: لو ثبت بالآيتين أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) نصّ على الخليفة بالتعيين والنصب فذاك ليس أحد الثلاثة بإجماع المسلمين؛ لأنّ أحداً من السنّة لم يدّعِ ورود نصّ من قبل الله على تعيينه إماماً، فينحصر الأمر بما يقوله أحد الجناحين من المسلمين وهم الشيعة من تعيين عليّ(عليه السلام)إماماً وخليفة بنصّ الرسول(صلى الله عليه وآله) عن الله في يوم الغدير.

وهذا بقطع النظر عن مسألة تواتر نقل نصّ الغدير شيعةً وسنّةً، ونحن لا نريد أن ندخل في بحث تواتر نصّ الغدير، فليطلب ذلك من الكتب المطوّلة كالغدير

262

والمراجعات وپيام قرآن المجلّد التاسع وغيرها.

ولا بأس هنا بنقل مقطع من كلام رشيد رضا المفسّر السنّي المعروف في تفسير المنار حيث قال في ذيل آية التبليغ:

(وقد اختلف مفسّرو السلف في وقت نزول هذه الآية، فروى ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس، وأبو الشيخ عن الحسن، وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد: ما يدل على أنّها نزلت في أوائل الإسلام وبدء العهد بالتبليغ العام. وكأنّها على هذا القول وضعت في آخر سورة مدنيّة؛ للتذكير بأوّل العهد بالدعوة في آخر العهد بها.

وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري: أنّها نزلت يوم غدير خم في عليّ بن أبي طالب.

وروت الشيعة عن الإمام محمّد الباقر أنّ المراد بما اُنزل إليه من ربّه النصّ على خلافة عليّ بعده، وأنّه(صلى الله عليه وسلم) كان يخاف أن يشقّ ذلك على بعض أصحابه فشجّعه الله تعالى بهذه الآية.

وفي رواية عن ابن عباس: أنّ الله أمره أن يخبر الناس بولاية عليّ فتخوّف أن يقولوا: حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فلمّا نزلت الآية عليه في غدير خم أخذ بيد عليّ وقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه».

ولهم في ذلك روايات وأقوال في التفسير مختلفة، ومنها: ما ذكره الثعلبي في تفسيره: أنّ هذا القول من النبيّ(صلى الله عليه وسلم) في موالاة عليّ شاع وطار في البلاد، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فأتى النبيّ(صلى الله عليه وسلم) على ناقته وكان بالأبطح، فنزل وعقل ناقته وقال للنبيّ(صلى الله عليه وسلم) وهو في ملأ من أصحابه: يا محمّد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله، فقبلنا منك ـ ثمّ ذكر سائر أركان الإسلام

263

وقال ـ: ثمّ لم ترض بهذا حتّى مددت بضبعي ابن عمّك وفضّلته علينا، وقلت: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فهذا منك أم من الله؟ فقال(صلى الله عليه وآله): «والله الذي لا إله إلّا هو، هو أمر الله» فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره، وأنزل الله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِـع * للكَافِرينَ ...﴾(1).

وهذه الرواية موضوعة، وسورة المعارج هذه مكّية، وما حكاه الله من قول بعض كفّار قريش: اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك، كان تذكيراً بقول قالوه قبل الهجرة، وهذا التذكير في سورة الأنفال وقد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين، وظاهر الرواية أنّ الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتدّ، ولم يعرف في الصحابة، والأبطح بمكّة، والنبيّ(صلى الله عليه وسلم) لم يرجع من غدير خم إلى مكّة، بل نزل في منصرفه من حجّة الوداع إلى المدينة)(2).

والآن اُعلّق على بعض المقاطع من كلامه كما يلي:

1 ـ قوله في ذيل التفسير الذي قال: نزلت في أوائل الإسلام: (وكأنّها على هذا القول وضعت في آخر سورة مدنيّة؛ للتذكير بأوّل العهد بالدعوة في آخر العهد بها).

أقول: لو كان المفروض أنّ الآية نزلت في أواخر حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بالمدينة لعلّه كان يصح أن يقال: إنّها تذكير في آخر العهد بأوّل العهد، ولكنّي لا أدري ما معنى جعل آية مكّية في سورة مدنيّة للتذكير بأوّل العهد؟ وهل النبيّ(صلى الله عليه وآله) هو الذي جعل الآية المكّية في سورة مدنيّة ليذكّر نفسه بعهد مكّة، أم جعلها في


(1) س 70 المعارج، الآية: 1 ـ 2.

(2) تفسير المنار 6: 463 ـ 464.

264

سورة مدنيّة ليذكّر الناس بعهد مكّة؟ وهل الناس لم يكونوا يقرأونها من حين نزولها في مكّة إلى أن جعلت في سورة مدنيّة فذكّرتهم بأوّل العهد؟

2 ـ قوله: (وهذه الرواية موضوعة وسورة المعارج هذه مكّية).

أقول: لا أدري لماذا يستنكر فرض تسجيل بعض آيات مدنيّة ضمن سورة مكّية، في حين أنّ هذا مألوف في القرآن الكريم في موارد عديدة؟

3 ـ قوله: (وما حكاه الله من قول بعض كفّار قريش: اللهمّ إن كان هو الحقّ من عندك، كان تذكيراً بقول قالوه قبل الهجرة، وهذا التذكير في سورة الأنفال، وقد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين).

أقول: لم يدّع أحد أنّ الله تعالى أنزل بعد غدير خم آية: ﴿قَالُوا اللهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقّ ...﴾(1) وإنّما المدّعى: أنّ الحارث بن النعمان، أو أيّ اسم آخر ورد في بعض النقول الاُخرى، طلب بعد غدير خم نزول العذاب على نفسه، وكان طلبه بتعبير تعلّمه من سورة الأنفال الواردة سابقاً فقال: اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك... .

4 ـ قوله: (وظاهر الآية أنّ الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتدّ، ولم يعرف في الصحابة).

أقول: ولا أدري كيف عرف رشيد رضا أنّه قد علم بجميع صحابة النبيّ(صلى الله عليه وآله)القريب منهم والبعيد الذين يتجاوزون الآلاف المؤلّفة، فرأى أنّ هذا الاسم لم يكن منهم؟!

5 ـ قوله: (والأبطح بمكّة، والنبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يرجع من غدير خم إلى مكّة، بل نزل في منصرفه من حجّة الوداع إلى المدينة).

 


(1) س 8 الأنفال، الآية: 32.

265

أقول: لا أدري كيف عرف رشيد رضا أنّ المقصود بالأبطح في هذه القصّة ـ والتي لم يرد إلّا في بعض نقولها وليس في جميع النقول ـ هو وادي الأبطح الذي كان بمكّة، في حين أنّ الأبطح والبطحاء اسم لكلّ مَسيل رمليّ، والمناطق المسمّاة بهذا الاسم كثيرة، كما استشهد لذلك سماحة آية الله الشيخ ناصر مكارم في پيام قرآن(1) بقول الشاعر في مراثي أهل البيت(عليهم السلام):

ملكنا فكان العفو منّا سجيّة
فلمّا ملكتم سال بالدّمّ أبطح
 

مع أنّنا نعلم أنّه لم تسل دماء أهل البيت(عليهم السلام) في وادي الأبطح في مكّة، بل سالت في العراق: كربلاء والكوفة.

واستشهد أيضاً بقول الشاعر في رثاء الحسين(عليه السلام):

وتئنّ نفسي للربوع وقد غدا
بيت النبيّ مقطّع الأطناب
بيت لآل المصطفى في كربلا
ضربوه بين أباطح ورواب
 

وعلى أيّة حال انتهينا إلى أنّ الآيتين المباركتين الراجعتين إلى غدير خم تدل بأنفسهما ـ وبغضّ النظر عن تواتر حديث الغدير ـ على بطلان خلافة الخلفاء الثلاثة، وانحصار الحقّ بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في عليّ(عليه السلام).

 

آية: ﴿ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين ﴾

 

يمكن التمسّك بقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين﴾(2) لإثبات عدم صلاحيّة الخلفاء الثلاثة الأوائل للإمامة.

 


(1) پيام قرآن 9: 197.

(2) س 2 البقرة، الآية: 124.

266

والوجه الابتدائي للاستدلال بهذه الآية على ذلك أنّه: لا خلاف بين الشيعة والسنّة في أنّهم كانوا يسجدون للأصنام في بداية أمرهم، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم﴾(1)، وقد نصّت الآية المباركة على أنّ عهد الله لا ينال الظالمين.

ويعترض عادة على ذلك: بأنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس دون ما انقضى عنه المبدأ، والخلفاء الثلاثة في رأي إخواننا السنّة قد انقضى عنهم مبدأ الظلم.

وقد يجاب على ذلك: بأنّ عظمة مقام الإمامة وجلالتها قرينة على استخدام المجاز وجعل المشتقّ مستعملاً في الأعم من المتلبّس والمنقضي عنه المبدأ.

أقول: لو انحصر الإشكال في مسألة انقضاء المبدأ وغضّ النظر عن نكتة أخرى، أمكن الجواب عنه: بأنّ الآية شملتهم حين سجودهم للصنم، فإنّهم في ذلك الوقت كانوا متلبّسين بالمبدأ، ودلّت في ذلك الوقت على أنّهم لا ينالهم العهد إلى الأبد.

إلّا أنّه يقال في مقابل ذلك: إنّ ظاهر ربط حكم بعنوان هو تعاصر زمن الحكم للعنوان، فلو قيل: (قلّد المجتهد العادل) كان ظاهره هو التقليد في زمن الاجتهاد والعدالة، لا في ما بعد أن تحوّل إلى حالة لا يعلم بعد علم شيئاً، أو تحوّل إلى حالة الفسق. ولو قيل: (لا تقلّد الفاسق) فظاهره النهي عن تقليده في وقت فعلية الفسق دون ما بعده.

وهنا أيضاً قد يجاب بأنّ عظمة وجلالة مقام الإمامة قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور.

ولكنّنا نقول هنا شيئاً آخر لا نحتاج معه إلى تلك القرينة؛ وذلك لوجود قرينة


(1) س 31 لقمان، الآية: 13.

267

اُخرى لا يشوب معها شكّ ولو بمقدار واحد في المئة في أنّ النظر إنّما هو إلى الظالم حتّى بعد زوال ظلمه؛ إذ لو خصّصنا الآية بالظالم في حين ظلمه لزم افتراض أنّ إبراهيم(عليه السلام) ـ وهو سيّد الأنبياء بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ كان غبيّاً لا سمح الله إلى حدّ أن يتوقّع من الله تعالى إعطاءه العهد حتّى للظالم في حالة ظلمه فيجعله إماماً حين يظلم، وهذا غير محتمل.

وقد قال العلاّمة الطباطبائي(رحمه الله) في تفسير الميزان: «وقد سئل بعض أساتيذنا ـ رحمة الله عليه ـ عن تقريب دلالة الآية على عصمة الإمام، فأجاب: إنّ الناس بحسب القسمة العقليّة على أربعة أقسام: من كان ظالماً في جميع عمره، ومن لم يكن ظالماً في جميع عمره، ومن هو ظالم في أوّل عمره دون آخره، ومن هو بالعكس.

وإبراهيم(عليه السلام) أجلّ شأناً من أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل والرابع من ذرّيّته، فبقي قسمان، وقد نفى الله أحدهما وهو الذي يكون ظالماً في أوّل عمره دون آخره، فبقي الآخر وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره)(1).

 

آية: الولاية

 

يمكن الاستدلال على حصر الولاية في أميرالمؤمنين علي(عليه السلام)دون السابقين عليه بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون﴾(2).

ووجه الاستدلال بهذه الآية المباركة أنّ الآية بالرغم من أنّها لا تقصر عن


(1) تفسير الميزان 1: 274.

(2) س 5 المائدة، الآية: 55.

268

أداء كبرى كلّية وبمصطلح الاُصوليين عن أداء قضيّة حقيقيّة، أو قل: إنّ القرآن يجري مع الزمان مجرى الشمس والقمر، ولكن من الواضح جدّاً أنّها تنظر بطرف جلّي إلى قضيّة خارجيّة وواقعة شخصيّة.

ويتّضح ذلك بالالتفات إلى جملة ﴿وَهُمْ رَاكِعُون﴾ من زاويتين:

الاُولى: ما المقصود بالركوع؟

فقد يقال: إنّ المقصود به الخضوع والانقياد، ولكن التعبير المعروف عن الخضوع والانقياد حتّى في القرآن هو القنوت لا الركوع. قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْن﴾(1)، ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين﴾(2)، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء الليْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الاْخِرَة﴾(3)، ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين﴾(4)، ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّه﴾(5)، ﴿وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات﴾(6)، ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَات مُّؤْمِنَات قَانِتَات...﴾(7)، ﴿سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُون﴾(8)، ﴿وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِين﴾(9)، ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار﴾(10)، ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِين﴾(11).

 


(1) س 33 الأحزاب، الآية: 31.

(2) س 3 آل عمران، الآية: 43.

(3) س 39 الزمر، الآية: 9.

(4) س 16 النحل، الآية: 120.

(5) س 4 النساء، الآية: 34.

(6) س 33 الأحزاب، الآية: 35.

(7) س 66 التحريم، الآية: 5.

(8) س 2 البقرة، الآية: 116.

(9) س 2 البقرة، الآية: 238.

(10) س 3 آل عمران، الآية: 17.

(11) س 66 التحريم، الآية: 12.

269

وعليه فالظاهر أنّ المقصود بالركوع في الآية محلّ البحث هو الركوع المعروف.

الثانية: الواو في قوله: ﴿وَهُمْ رَاكِعُون﴾ واو حاليّة، بمعنى أنّ إيتاءهم للزكاة كان في حالة الركوع وليست عاطفة، وإلّا لكان المفروض أن يقال: ويركعون، لا أن يقال: ﴿وَهُمْ رَاكِعُون﴾ الذي يدلّ على الاستمرار؛ لوضوح أنّ حالة الركوع المعروف ـ أي الحالة الانحنائيّة ـ ليست دائميّة ومستمرّة.

إذن الآية ناظرة إلى قضيّة خارجيّة، وهي ما وقع صدفة واتفاقاً من أنّ التصدّق كان في حالة الركوع، والتاريخ لايحكي لنا شيئاً من هذا القبيل إلّا بشأن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، إذن الولاية له.

نعم روى الفخر الرازي في تفسيره عن عكرمة: أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر(1)، لكن هذا لا يعني أنّ المتصدّق في حالة الركوع كان هو أبا بكر، فإنّهم لا يفسّرون قوله: ﴿وَهُمْ رَاكِعُون﴾ بمعنى التصدّق في حالة الركوع، أي الانحناء الصلاتي المألوف، بل يفسّرونه بمعنى الطاعة تارة، وبمعنى كونه كناية عن أنّ من شأنهم إقامة الصلاة اُخرى، باعتبار أنّ الركوع جزء من الصلاة شرّفه بالذكر ونحو ذلك. أمّا قصّة التصدّق في حالة الانحناء الصلاتي المعروف فلم يرد في التاريخ إلّا بشأن عليّ(عليه السلام).

ولنعم ما روي عن حسّان بن ثابت بشأن عليّ(عليه السلام):

وأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً
زكاةً فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير وَلاية
وبيّنها في محكمات الشرائع
 

 


(1) راجع تفسير الفخر الرازي 12: 26.

270

شبهات وردود:

نذكر فيما يلي بعض الشبهات حول الاستدلال بآية الولاية على الخلافة بلا فصل مع ردودها:

فقد ذكر الفخر الرازي شبهات(1) في المقام من قبيل:

1 ـ لم لا يجوز أن يكون المراد من لفظ «الوليّ» في هذه الآية: الناصر والمحبّ دون ولاية الأمر؟ وهذا أولى بسياق الآية؛ لما ورد فيما قبلها من قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء﴾(2)؛ ولما ورد من بعدها من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء...﴾(3).

أقول: إنّ الولاية بهذا المعنى ثابتة لجميع المؤمنين كما قال الله تعالى: ﴿الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض...﴾(4)، ولا ميزة في ذلك للذي تصدّق في حال الركوع.

وأمّا السياق الذي ذكره فهو مقطوع، أمّا ما قبل الآية فسياق قوله تعالى: ﴿لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض﴾ ـ وهو الوارد في الآية ( 51 ) ـ يستمرّ إلى آخر الآية ( 53 )، ولم يعلم كون الآية ( 54 ) ـ التي هي قبل الآية المقصودة ـ نازلة مع المقطع السابق. وأمّا ما بعد الآية فأيضاً لم يعلم أنّ الآية(56) و(57) نازلة مع المقطع السابق.

 


(1) راجع المصدر السابق: 27 ـ 31.

(2) س 5 المائدة، الآية: 51.

(3) س 5 المائدة، الآية: 57.

(4) س 9 التوبة، الآية: 71.

271

2 ـ ظاهر الآية كون الولاية الثابتة للمؤمنين المذكورين في الآية المقصودة ثابتة في الحال في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله)، وهذا لا يكون إلّا بتفسير الولاية بمعنى النصرة والمؤازرة والحبّ، أمّا بمعنى التصرّف والإمامة فلوكانت فإنّما هي بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)؛ لأنّ عليّاً(عليه السلام) لم يكن له ولاية التصرّف في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله).

أقول: من الطبيعي والعرفي أنّ الموصي للقيّم بعده يعبّر عنه بالقيّم في حال حياته، فيقول مثلاً: (إنّ فلاناً هو القيّم على أطفالي) يعني: الذي يشرف عليهم بعد موتي.

3 ـ لو وافقنا على أنّ الولاية بمعنى حقّ التصرّف والإمامة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله)وليس الآن فلماذا نحملها على الولاية بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) مباشرة؟ فيكفي إشباعاً لهذا المعنى كون الوصاية والإمامة له بعد حين حتّى ولو لم يكن وصيّاً مباشراً، فلتكن الوصاية لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بعد عثمان، ولا تدلّ الآية على الخلافة المباشرة.

والجواب: ما عرفت من أنّ التعبير عن الوصيّ المباشر بكونه قيّماً أو وليّاً على الرغم من كونه كذلك بعد وفاة الموصي أمر عرفي، ولكن ليس الأمر كذلك بالقياس لمن سيكون هكذا بعد برهة من الزمن فاصلة بين زمان وصايته وزمان الوصيّ.

وقد تعرّض سماحة الشيخ ناصر مكارم حفظه الله(1) لبعض شبهات اُخرى للردّ عليها:

الاُولى: كيف يمكن تطبيق الآية على شخص عليّ(عليه السلام) مع أنّ الموصول


(1) راجع پيام قرآن 9: 207 ـ 213.

272

وجميع الضمائر الراجعة اليه وردت بصيغة الجمع؟

والجواب: أنّ هذا الاُسلوب مناسب حينما يشتمل الكلام على روح القضيّة الحقيقيّة بالرغم من إشارته إلى قضية شخصية من طرف آخر، وكم له من نظير في القرآن كما عدّده في (پيام قرآن) من قبيل:

1 ـ ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾(1)، والمذكور في التاريخ أنّ المقصود بالناس هو نعيم بن مسعود.

2 ـ ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَة﴾(2)، والمذكور في التاريخ أنّها نزلت بشأن عبدالله بن اُبيّ.

3 ـ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُون﴾(3)، وقد ورد أنّهما نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة.

4 ـ ﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاَْعَزُّ مِنْهَا الاَْذَلَّ﴾(4)، والقائل هو عبدالله بن اُبيّ.

5 ـ ورد في آية المباهلة: ﴿وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ﴾(5) ولا إشكال في أنّ شأن النزول هي فاطمة الزهراء(عليها السلام).

6 ـ ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِالليْلِ وَالنَّهَار ...﴾(6) وشأن نزولها في كثير من


(1) س 3 آل عمران، الآية: 173.

(2) س 5 المائدة، الآية: 52.

(3) س 60 الممتحنة، الآية: 1 ـ 2.

(4) س 63 المنافقون، الآية: 8.

(5) س 3 آل عمران، الآية: 61.

(6) س 2 البقرة، الآية: 274.

273

الروايات هو عليّ(عليه السلام).

7 ـ ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُون...﴾(1)، وقد قالوا: إنّ السائل كان عمرو بن الجموح.

الثانية: كيف يفترض التفات عليّ(عليه السلام) في أثناء الصلاة إلى السائل وسؤاله في حين أنّ ذلك ينافي حضور القلب، وكونه غارقاً في المناجاة مع الله حتّى اشتهرت قصّة إخراج السهم من رجله وعدم إحساسه بذلك؟

والجواب: أنّ عدم إحساسه بإخراج السهم من رجله في حال الصلاة أمر طبيعي؛ فإنّ الجمال الحقيقي لله سبحانه وجلاله الواقعي اللذين كان عليّ(عليه السلام)غارقاً فيهما لا يقاسان بالجمال المادّيّ ليوسف(عليه السلام) الذي دفع صويحباته إلى تقطيع أيديهنّ من دون إحساس بذلك، والفارق في المقام أنّ إجابة السائل أيضاً تعتبر عبادة لله، وحضور القلب في العبادة لا يمنع عليّاً(عليه السلام)عن هذا الالتفات الذي هو مؤكّد للحضور.

ومن المحتمل أن يكون جواب السبط بن الجوزي عن هذا الإشكال مشيراً إلى ما قلنا، حيث ينقل عنه أنّه قال في الجواب:

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
عن النديم ولا يلهو عن الكاس
أطاعه سكره حتّى تمكّن من
فعل الصحاة فهذا أفضل الناس(2)
 

الثالثة: من أين جاء عليّ(عليه السلام) بخاتم باهض الثمن؟ ثمّ ألم يكن لبسه(عليه السلام) إيّاه إسرافاً؟

والجواب: إنّنا لا ندري كيف ولماذا فرض هذا المعترض أنّ للخاتم سعراً باهضاً؟ وما قيمة رواية مرسلة تفترض أنّ الخاتم كان يعادل خراج الشامات؟

 


(1) س 2 البقرة، الآية: 215.

(2) أنوار المواهب: 160 ـ 161.

274

أقول: لعلّ مخترع هذه الرواية تخيّل أنّ عظمة العمل بعظمة قيمته المادّيّة، وتصوّر أنّ اختراع هذه الرواية فيه خدمة لعليّ(عليه السلام) فتخيّل أنّه أمر حسن، ولم يعرف أنّ الكذب قبيح ولو كان بهذه النيّة، ولم يلتفت إلى ما روي من «أنّ داود(عليه السلام)سأل ربّه أن يُريه الميزان، فلمّا رأى غشي عليه ثمّ أفاق فقال: يا إلهي من الذي يقدر أن يزن بملء كفته حسنات؟ فقال: يا داود، إنّي إذا رضيت عن عبد ملأتها بتمرة»(1). فالذي صعّد من مستوى تصدّق عليّ(عليه السلام) في الصلاة لم يكن قيمة الخاتم بل كان هو إخلاصه وخلوص عمله لله، وإلّا فما هي القيمة المادّيّة لأرغفة الخبز التي تصدّق بها أهل البيت(عليهم السلام) على مسكين ويتيم وأسير حتّى نزل بشأن ذلك قوله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الاَْرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَة مِّن فِضَّة وَأَكْوَاب كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِن فِضَّة قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُس خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّة وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾(2)؟!


(1) البحار 7: 247.

(2) س 76 الإنسان، الآية: 7 ـ 22.

275

 

إمامة الأئمّة من بعد علي(عليهم السلام)

 

لا بأس بالإشارة ولو باختصار إلى الأدلّة على إمامة الأئمّة(عليهم السلام) من ولد عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) فنقول:

إنّ مذهب الشيعة الاثني عشريّة ـ زادهم الله شرفاً ـ وما وصلهم متواتراً يداً عن يد بشأن تعداد الأئمّة(عليهم السلام) وأسمائهم يعدّ من الاُمور الواضحة عندهم، واُشير كنموذج إلى روايات اُصول الكافي، باب ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم، وهو الباب (126) من كتاب الحجة من الجزء الأوّل(1)، وحديث اللوح الوارد فيه وارد أيضاً في كمال الدين للصدوق(2) في جميع روايات الباب (28) منه فراجع، وهذه الروايات ـ أعني روايات الكافي ـ بعضها مشتملة على كلّ أسماء الأئمّة وبعضها مشتملة على بعض أسمائهم كالأمير(عليه السلام)والحجّة«عجّل الله فرجه».

وقد ورد نظير ذلك لدى السنّة أيضاً، فقد روى سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودّة(3) روايتين مصرّحتين بهذه الأسماء جميعاً:

الاُولى: ما رواه عن فرائد السمطين (2 / 132 ح 431) بسنده عن مجاهد عن ابن عباس قال: قدم يهوديّ يقال له نعثل(معثل خ ل) فقال: «يامحمّد، أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك». قال: «سل يا أباعمارة. فقال: يا محمّد، صف لي ربّك». إلى أن قال:


(1) الكافي 1: 525 ـ 535.

(2) كمال الدين: 308 ـ 313.

(3) ينابيع المودّة 3: 281 فصاعداً.

276

«فأخبرني عن وصيّك من هو؟ فما من نبيّ إلّا وله وصيّ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى يوشع بن نون». فقال: «إنّ وصيّي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين تتلوه تسعة أئمّة من صلب الحسين».

قال: «يا محمّد، فسمّهم لي». قال: «إذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذا مضى علي فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهدي، فهولاء اثناعشر»، إلى أن قال: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله، وأشهد أنّهم الأوصياء بعدك. ولقد وجدت في كتب الأنبياء المتقدّمة وفيما عهد إلينا موسى بن عمران(عليه السلام): أنّه إذا كان آخر الزمان يخرج نبيّ يقال له أحمد ومحمّد، هو خاتم الأنبياء لا نبيّ بعده، فيكون أوصياؤه بعده اثني عشر»، إلى أن قال: «فهؤلاء الاثناعشر عدد الأسباط».

فقال(صلى الله عليه وآله): «أتعرف الأسباط؟» قال: «نعم كانوا اثني عشر، أوّلهم لاوي ابن برخيا، وهو الذي غاب عن بني إسرائيل غيبة، ثمّ عاد فأظهر الله به شريعته بعد اندراسها، وقاتل قرسطيا الملك حتّى قتل الملك».

قال(صلى الله عليه وآله): «كائن في اُمّتي ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، وإنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتّى لا يُرى، ويأتي على اُمّتي بزمن لا يبقى من الإسلام إلّا اسمه ولا يبقى من القرآن إلّا رسمه، فحينئذ يأذن الله تبارك وتعالى له بالخروج، فيظهر الإسلام به ويجدّده، طوبى لمن أحبّهم وتبعهم، والويل لمن أبغضهم وخالفهم، وطوبى لمن تمسّك بهداهم». فأنشأ نعثل شعراً:

 

277

«صلّى الإله ذو العلى
عليك يا خير البشر
أنت النبيّ المصطفى
والهاشميّ المفتخر
بكم هدانا ربّنا
وفيك نرجو ما أمر
ومعشر سمّيتهم
أئمّة اثنا عشر
حباهم ربّ العلى
ثمّ اصطفاهم من كدر
قد فاز من والاهمُ
وخاب من عادى الزهر
آخرهم يسقي الظما
وهو الإمام المنتظر
عترتك الأخيار لي
والتابعين ما أمر
من كان عنهم معرضاً
فسوف تصلاه سقر».

الثانية: شبيهة بالاُولى ينقلها عن المناقب عن واثلة بن الأسقع بن قرخاب، عن جابر بن عبدالله الأنصاري في يهوديّ دخل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) اسمه جندل بن جنادة بن جبير، فروى رواية شبيهة بالاُولى في ذكر الأسماء إلّا أنّها مختصرة فمن أرادها فليراجع المصدر.

ثمّ ذكر رواية ثالثة عن المناقب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: جاء يهوديّ من يهود المدينة إلى عليّ كرّم الله وجهه وساق الحديث، إلى أن قال له عليّ: «لهذه الاُمّة بعد نبيّها اثناعشر إماماً لا يضرّهم خلاف من خالفهم». ولكن الحديث لا يصرّح بتمام الأسماء إلّا أنّه يقول في آخره: «أوّلهم أنا وآخرنا القائم المهدي».

وروى القندوزي الحنفي أيضاً في ينابيع المودّة عن كتاب فرائد السمطين لإبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه: «إنّ أوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثناعشر، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي. قيل: يا رسول الله من أخوك؟ قال: عليّ. قيل: من ولدك؟ قال: المهدي

278

الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلف ولدي، وتشرق الأرض بنور ربّها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب(1)».

وقال القندوزي(2): وفيه (يعني في فرائد السمطين) عن الأصبغ بن نباتة عن ابن عباس رفعه: «أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون».

وفيه (يعني في فرائد السمطين 2 / 313 / حديث 563 و 564): عن عباية ابن ربعي عن ابن عباس رفعه: «أنا سيّد النبيّين وعليّ سيّد الوصيّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثناعشر، أوّلهم عليّ وآخرهم المهدي»(3).

وورد أيضاً في ينابيع المودّة عن كتاب المناقب بسند له إلى عليّ بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام) رواية مفصّلة وفيها: «فنوديت: يامحمّد، أوصياؤك المكتوبون على سرادق عرشي. فنظرت فرأيت اثني عشر نوراً، وفي كلّ نور سطر أخضر عليه اسم وصيّ من أوصيائي، أوّلهم عليّ وآخرهم القائم المهدي»(4).

وفي المصدر نفسه أيضاً(5) قال: أخرج أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي بسنده عن أبي سليمان راعي رسول الله، ويذكر شيئاً من رواية المعراج وفيها: «قال: يامحمّد، إنّي اطّلعت على أهل الأرض اطّلاعة فاخترتك


(1) ينابيع المودّة 3: 383 ـ 384 نقلاً عن فرائد السمطين 2: 312، الحديث 562.

(2) المصدر السابق: 384.

(3) المصدر السابق: 384.

(4) المصدر السابق: 379.

(5) المصدر السابق: 380 ـ 381.

279

منهم، فشققت لك اسماً من أسمائي، فلا اُذكر في موضع إلّا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ اطلعت الثانية فاخترت منهم عليّاً فسمّيته باسمي، يامحمّد، خلقتك وخلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ومن يجحدها كان عندي من الكافرين، يا محمّد، لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشنّ البالي ثمّ جاءني جاحداً لولايتكم ما غفرت له، يامحمّد، تحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ. قال لي: انظر إلى يمين العرش، فنظرت فإذا عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي ومحمّد المهدي بن الحسن كأنّه كوكب درّيّ بينهم، وقال: يامحمّد هؤلاء حججي على عبادي وهم أوصياؤك، والمهديّ منهم الثائر من قاتل عترتك، وعزّتي وجلالي إنّه المنتقم من أعدائي والممدّ لأوليائي»(1)، أيضاً أخرجه الحمويني.

ونحن لا نتوقع ورود أسماء الأئمّة الاثني عشر في كتب السنّة بقدر ورودها في كتب الشيعة، ولكنّنا لو ضمننا إليها التصريحات الواردة في كتبهم بكون الخلفاء اثني عشر من دون ذكر اسم لبلغت رواياتهم عدداً كبيراً، راجع بهذا الصدد كتاب ينابيع المودّة(2) فقد نقل بهذا المضمون أحاديث كثيرة من كتب أهل السنّة من كتاب جمع الفوائد والبخاري ومسلم وفي بعضها: كلّهم من قريش


(1) أخرج تحت الخط هذا الحديث من مقتل الحسين للخوارزمي: 95، الحديث 203، ومن فرائد السمطين 2: 319، الحديث 571.

(2) ينابيع المودّة 3: 289 ـ 294، الباب 77.

280

وفي بعضها: كلّهم من بني هاشم.

وقال في ما قال: (ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة من عشرين طريقاً في أنّ الخلفاء بعد النبيّ اثناعشر خليفة كلّهم من قريش، وفي البخاري من ثلاثة طرق، وفي مسلم من تسعة طرق، وفي أبي داود من ثلاثة طرق، وفي الترمذي من طريق واحد، وفي الحميدي من ثلاثة طرق).

ونَقَل عن بعض المحقّقين أنّه قال: (إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله من حديثه هذا الأئمّة الاثناعشر من أهل بيته وعترته؛ إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن يحمل على الملوك الاُمويّة لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش، إلّا عمر بن عبدالعزيز... ولا يمكن أن يحمل على الملوك العبّاسيّة لزيادتهم على العدد المذكور ولقلّة رعايتهم الآية: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(1)، وحديث الكساء، فلابدّ أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترتة؛ لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً وأكرمهم عند الله، وكانت علومهم عن آبائهم متّصلة بجدّهم وبالوراثة واللدنّية، كذا عرّفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق)(2).

وعلى الرغم من كلّ هذا يقول بعضهم: إنّ الأحاديث السنيّة بالذات لا تحصرهم في اثني عشر.

 


(1) س 42 الشورى، الآية: 23.

(2) وأيضاً بإمكانك أن تراجع بهذا الصدد كتاب ينابيع المودّة 2: 314 فصاعداً، الباب 56، المودّة العاشرة في عدد الأئمّة وأنّ المهدي منهم.

281

وقد ردّ على ذلك السيّد سامي البدري في كتابه شبهات وردود قائلاً:

(روى البخاري عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبيّ(صلى الله عليه وآله) يقول: «يكون بعدي اثنا عشر أميراً... كلّهم من قريش».

وفي رواية لمسلم: «لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش»(1).

وفي رواية: «لا تضرّهم عداوة من عاداهم»(2).

وفي رواية: «يكون لهذه الاُمّة اثناعشر قيّماً لا يضرّهم من خذلهم كلّهم من قريش»(3).

وفي رواية مسروق قال: سأل رجل عبدالله بن مسعود قال له: يا أبا عبدالرحمن، هل سألتم رسول الله كم يملك هذه الاُمّة من خليفة؟ فقال عبدالله: سألناه فقال: «اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل»(4).

وفي رواية اُخرى: «يكون بعدي من الخلفاء عدّة أصحاب موسى»(5).

وفي رواية اُخرى: «كلّهم تجتمع عليه الاُمّة»(6).

قال ابن كثير: وقد روي مثل هذا عن عبدالله بن عمر وحذيفة وابن عبّاس(7).


(1) خرّجه تحت الخط من جامع الاُصول لابن أثير 4: 45 ـ 46.

(2) خرّجه تحت الخط من فتح الباري 16: 338.

(3) خرّجه تحت الخط من كنز العمّال 13: 27.

(4) خرّجه تحت الخط من مسند أحمد 1: 398 ـ 406، ومستدرك الحاكم 4: 501، وفتح الباري 16: 339، ومجمع الزوائد 5: 190، وكنز العمّال 13: 27.

(5) خرّجه تحت الخط من البداية والنهاية لابن كثير 6: 248، وكنز العمال 13: 27.

(6) خرّجه تحت الخط من سنن أبي داود 2: 423.

(7) خرّجه تحت الخط من البداية والنهاية 6: 248.

282

أقول: وقد روى مثله الهيثمي في مجمع الزوائد عن الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار عن أبي جحيفة(1).

ويتبيّن من ذلك أنّ حديث الاثني عشر عند السنّة لا تنحصر روايته بالصحابي جابر بن سمرة، بل يرويه صحابة آخرون ذكرت الكتب السنّية الميسّرة فعلاً أربعة منهم إلى جانب جابر بن سمرة)(2).

وقال السيّد نذير الحسني في كتابه دفاع عن التشيّع:

(تسالم الفريقان على هذه النظريّة الاثني عشريّة التي نطق بها لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإليك جملة من المصادر التي نقلت هذا الحديث:

1 ـ صحيح البخاري: ج 4، ص 164، كتاب الأحكام، باب الاستخلاف.

2 ـ صحيح مسلم: ج 12، ص 202، و ج 13، ص 319، دار الكتب العلميّة بيروت.

3 ـ سنن الترمذي: ج 4، ص 501.

4 ـ سنن أبي داود: ج 4، ص 106، رقم 4279 ـ 4281.

5 ـ مسند أحمد: ج 5، ح 90 و 93 و 97 و 100 و 106 و 107.

6 ـ المعجم الكبير للطبراني: ج 2، ص 238، رقم 1996.

7 ـ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 618.

8 ـ حلية الأولياء: ج 4، ص 333.

9 ـ البداية والنهاية: ج 1، ص 153.

10 ـ الحاوي للفتاوي: ج 2، ص 85.


(1) خرّجه تحت الخط من مجمع الزوائد 5: 190.

(2) شبهات وردود: 124 ـ 125.

283

11 ـ مشكاة المصابيح للتبريزي: ج 3، ص 327، رقم 5983.

12 ـ السلسلة الصحيحة للأنباري: حديث رقم 376.

13 ـ كنز العمّال: ج 12، ص 32، ح 33848 و 33858 و 33861.

14 ـ فرائد السمطين: ج 2، ص 145، ح 42.

15 ـ ينابيع المودّة: ج 3، ص 104، ب 77.

16 ـ صحيح مسلم بشرح النووي: ج 12، ص 201.

17 ـ شرح ابن الجوزيّة لسنن أبي داود: ج 11، ص 363، رقم 4259.

18 ـ عون المعبود، شرح سنن أبي داود: ج 11، ص 362، رقم 4259.

19 ـ فتح الباري: ج 13، ص 211.

كلّ هذه المصادر وغيرها خرّجت ولادة النظريّة الاثني عشريّة من لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ومن كتب الفكر الإسلامي المعتمدة، ومن أراد أن يستوعب هذا الحديث بكلّ أبعاده فليراجع إحقاق الحقّ(1)، حيث استعرض المؤلّف ما ورد في كتب العامّة لهذا الحديث، ثُمّ ذكر الصحابة الراوين له)(2).

ونختم نقل روايات الخلفاء الاثني عشر هنا بنقل عبارة للصدوق(قدس سره) في كمال الدين قال(رحمه الله): (قال بعض الزيديّة: إنّ الرواية التي دلّت على أنّ الأئمّة اثناعشر قول أحدثه الإماميّة قريباً وولّدوا فيه أحاديث كاذبة.

فنقول ـ وبالله التوفيق ـ: إنّ الأخبار في هذا الباب كثيرة، والمفزع والملجأ إلى نقلة الحديث. وقد نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً مستفيضاً من حديث عبد الله بن مسعود ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطّان المعروف بأبي


(1) خرّجه تحت الخط هكذا: إحقاق الحق 13: 1 ـ 48.

(2) الدفاع عن التشيّع: 374 ـ 375.

284

عليّ بن عبد ربّه الرازي، وهو شيخ كبير لأصحاب الحديث قال: حدّثنا أبو يزيد محمّد بن يحيى بن خلف بن يزيد المروزيّ بالريّ في شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وثلاث مئة، عن إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ، ـ في سنة ثمان وثلاثين ومئتين ـ المعروف بإسحاق بن راهويه عن يحيى بن يحيى، عن هشام عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: بينا نحن عند عبدالله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتىً شابّ: هل عهد إليكم نبيّكم(صلى الله عليه وآله) كم يكون من بعده خليفة؟ قال: إنّك لحدث السنّ، وإنّ هذا شيء ما سألني عنه أحد من قبلك، نعم عهد إلينا نبيّنا(صلى الله عليه وآله) أنّه يكون من بعده اثناعشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل.

وقد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب، وبعضها في كتاب النصّ على الأئمّة الاثني عشر(عليهم السلام) بالإمامة.

ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلاً ظاهراً مستفيضاً من حديث جابر ابن سمرة ما حدّثنا به أحمد بن محمّد بن إسحاق الدينوري ـ وكان من أصحاب الحديث ـ قال: حدّثني أبو بكر بن أبي داود، عن إسحاق بن إبراهيم بن شاذان، عن الوليد بن هشام، عن محمّد بن ذكوان، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن سيرين، عن جابر بن سمرة السوائي، قال: كنّا عند النبيّ(صلى الله عليه وآله) فقال: «يلي هذه الاُمّة اثناعشر». قال: فصرخ الناس فلم أسمع ما قال، فقلت لأبي ـ وكان أقرب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) منّي ـ: ما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) ؟ فقال: قال: «كلّهم من قريش، وكلّهم لا يرى مثله».

وقد أخرجت طرق هذا الحديث أيضاً. وبعضهم روى: «اثناعشر أميراً»، وبعضهم روى: «اثناعشر خليفة». فدلّ ذلك على أنّ الأخبار التي في يد

285

الإماميّة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)والأئمّة(عليهم السلام)بذكر الأئمّة الاثني عشر أخبار صحيحة)(1).

وللاستفادة من هذا التواتر لحديث حصر الأئمّة في اثني عشر طريقان:

الأوّل: إنّ هذا العدد لا يمكن تطبيقه إلّا على نظريّة الشيعة الإماميّة الاثني عشرية، فمثلاً لا يمكن تطبيقه على الخلفاء الأوائل بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)فإنّهم أربعة وليسوا اثني عشر، ولا على خلفاء بني اُميّة لأنّهم أكثر من اثني عشر، ولا على الخلفاء العبّاسيّين لأنّهم أيضاً أكثر من اثني عشر، ولا على مذهب الكيسانيّة لأنّ الإمامة عندهم ختمت بمحمّد بن الحنفيّة فهم أربعة، ولا على مذهب الزيديّة لأنّ آخرهم عندهم زيد بن عليّ ولم يبلغوا اثني عشر، وهكذا.

الثاني: أن نضمّ ذلك إلى الأدلّة التي نصّت على أنّ السبيل إلى الله إنّما هم أهل البيت(عليهم السلام)، ويصبح عندئذ من الواضح أنّ العدد الاثني عشر الذين هم كلّهم من أهل البيت(عليهم السلام) هم المقصودون بروايات الاثني عشر، وهم ليسوا إلّا هؤلاء المعروفين لدى الشيعة الإماميّة، ويخرج بذلك من لم يكن من أهل البيت.

وأوّل ما دل على أنّ السبيل إلى الله هم أهل البيت(عليهم السلام) هو مجموع ثلاث آيات من القرآن الكريم تدلّ على حصر السبيل إلى الله بخطّ أهل البيت(عليهم السلام):

الاُولى: قوله تعالى:﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(2)، فهذه الآية لا يمكن أن تكون من الآيات التي تحبّذ صلة الرحم ومودّة كلّ أحد لقرباه


(1) كمال الدين: 67 ـ 68.

وإذا أردت نقل الشيعة لروايات اثني عشر أميراً أو خل%D