246

 

السبيلان المعقولان لتعيين القائد

 

لا سبيل معقول لتعيين الوليّ أو القائد للمجتمع إلّا أحد سبيلين: إمّا التعيين من قبل الله تعالى، وإمّا التعيين بالشورى والانتخاب. أمّا التعيين الاعتباطي أو الإلزام من غير مُلزم ومن قبل نفس من يريد أن يتأمّر على الناس فليس إلّا عملاً دكتاتوريّاً مرفوضاً من قبل كلّ عاقل.

ونشير هنا إلى أنّ شيئاً من السبيلين غير منطبق على الخلفاء الثلاثة الأوائل:

أمّا الأوّل فواضح؛ فإنّ أتباع الخلفاء الثلاثة لا يدّعون تعيّنهم بنصّ إلهي، فهم بإجماع المسلمين لم يعيّنوا من قبل الله تعالى وبتبليغ رسول الله(صلى الله عليه وآله).

وأمّا الثاني ـ وهو الانتخاب والشورى ـ فأيضاً لا ينطبق؛ فإنّ أبابكر عيّن في السقيفة وبتعيين من قبل أهل السقيفة، ثمّ اُخذت البيعة له بالتدريج، والمبايعون بين من بايع برغبة ومن بايع بإكراه ومن بايع بروح المتابعة للجناح المسيطر فعلاً، وهذا كلّه غير الانتخاب العامّ.

وأمّا عمر فقد عُيّن من قبل أبي بكر كما يحدّثُنا التاريخ.

وأمّا عثمان فقد عُيّن من قبل شورى سداسيّة معيّنة من قبل عمر.

وبهذا يثبت فساد مكتب الخلافة على كلا التقديرين.

 

أساس الشورى وردّه

 

يقع البحث فيما يلي عن أصل المدرستين: مدرسة التنصيص من قبل الله سبحانه بواسطة رسوله(صلى الله عليه وآله) كما تدّعيه الشيعة، ومدرسة الشورى المتبنّاة أخيراً من قبل المفكّرين والمثقّفين الجدد من السنّة، فنقول: إنّ مدرسة الشورى

247

لابدّ أن تكون قائمة على أحد أساسين: إمّا على أساس أنّ تعيين الحاكم يكون بذاته من حقّ الاُمّة؛ كي ينتهى إلى حكم الاُمّة نفسها بنفسها وتتحقّق الديمقراطيّة، وإلّا لانتهينا إلى الدكتاتوريّة، فلا امتياز لإحد أو لفئة يصحح تسلطه أو تسلطهم على الناس، فحقّ التحكيم يكون لنفس الاُمّة.

وإمّا على أساس أنّنا وإن كنا نعترف بأنّه ليس الحكم إلّا لله، ولكنّ الله هو الذي أمرنا بالانتخاب والشورى، كما دلّت على ذلك آيتان مباركتان:

إحداهما ـ قوله تعالى:﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر﴾(1).

وثانيتهما ـ قوله تعالى:﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾(2).

إلّا أنّ الأساس الأوّل لا ينسجم مع مسلّمات الإسلام، فإنّ من المسلّم به في الإسلام أنّ حقّ الحكم لله وحده، قال الله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّه﴾(3)، فليس الحكم ذاتاً لغيره سبحانه، ومن بيده الحكم من المخلوقين يجب أن يكون الله قد أعطاه ذلك.

هذا إضافة إلى أنّ الأخذ برأي الأكثريّة ليس عبارة عن حكم الناس أنفسهم بأنفسهم، بل لو طبّق ذلك حقّاً لكان عبارة عن تحكيم الأكثريّة على الأقليّة، فمن أين جاءت ولاية الأكثرية على الأقلية؟

والمؤمنون بالديمقراطيّة يجيبون بأنّ الأقلّيّة هي التي وافقت على تحكيم من انتخبته الأكثريّة، فليس الناخبون الذين لم يفز منتخبهم قد خسروا حقّ الحكم، فإنّ الأقلّيّة والأكثريّة قد توافقوا وتعاقدوا على تحكيم رأي الأكثريّة.

أقول: إنّ أقلّ ما يرد على ذلك أنّه ما ذنب من لم يعترف أساساً بهذا القانون،


(1) س 3 آل عمران، الآية: 159.

(2) س 42 الشورى، الآية: 38.

(3) س 6 الأنعام، الآية: 57، و س 12 يوسف، الآية: 40 و 67.

248

ولم يحضر صناديق الرأي اعتراضاً على تلك الصناديق؟ هل يُخرجون من البلد بحكم الأكثريّة أو يحكمون بحكم منتخَب الأكثريّة؟ وكلا الفرضين يعني تحكّم الأكثريّة عليهم. وهكذا يتجلّى أنّ الديمقراطيّة الغربيّة يستحيل أن تنجو وتخلو من هذه الدكتاتوريّة. ولنا بحث مفصّل في إبطال ولاية الشورى بمعنى الديمقراطيّة في كتابنا أساس الحكومة الإسلاميّة.

وأمّا الأساس الثاني ـ وهو تأسيس الشورى على أنّ الله تعالى الذي بيده الحكم هو الذي أعطى حقّ الانتخاب للنّاس أنفسهم ـ فهذا ما بحثناه أيضاً مفصّلاً في كتابنا أساس الحكومة الإسلاميّة.

ونكتفي هنا بالإشارة إلى أنّ الآية الشريفة: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر﴾ بعيدة كلّ البعد عن فكرة ولاية الشورى ووجوب إطاعة رأي الأكثريّة؛ وذلك بقرينة أنّ الله تعالى عطف على هذه الجملة قوله: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّه﴾(1) ممّا يدل بوضوح على أنّ العزم كان بيد رسول الله(صلى الله عليه وآله)من قبل الله، ولم تكن تحكمه ولاية الشورى أو رأي الأكثريّة.

وأمّا قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ فهو الآخر لا يدلّ أيضاً على ولاية الشورى، وإنّما يعني الاستضاءة بأفكار الآخرين عن طريق التشاور معهم، وهذا غير ولاية الشورى أو تحكيم رأي الأكثريّة، والدليل على ذلك: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) لو كان يعتقد بأنّ الذي يجب أن يخلفه بعده هو الذي تنتخبه الأكثريّة عن طريق الشورى والإدلاء بالأصوات لكان يجب عليه تثقيف الاُمّة على شروط الشورى: فما هو سنّ الناخبين؟ وما هو سنّ المنتخبين؟ وهل الانتخاب لأهل الحلّ والعقد أو لذوي الحصافة في العقل المعترف بهم لدى


(1) س 3 آل عمران، الآية: 159.

249

المجتمع أو للكلّ؟ وهل الانتخاب يجب أن يكون على درجة واحدة بالانتخاب المباشر، أو يمكن أن يكون على مرحلتين: أي أنّ الناس ينتخبون أوّلاً ممثّليهم ثمّ الممثّلون ينتخبون من بيده الحكم؟ وهكذا إلى عشرات الأسئلة، فأمر النبيّ(صلى الله عليه وآله) دائر في الحقيقة بين إهمال أمر القيادة بعده ممّا يعني تضييع دينه، وهذا ممّا لا يحتمل بشأنه، وبين تعيين الخليفة بالنصّ ـ وهذا ما تدّعيه الشيعة ـ وبين تثقيف الاُمّة على شروط الشورى، في حين أنّه مات رسول الله(صلى الله عليه وآله)ولم تكن الاُمّة تعرف شروطها ونُظُمها؛ فإنّ الناس لم يكونوا مسبوقين بالشورى لا قبل رسالته ولا بعدها وحتّى بعد وفاته.

أمّا الأوّل فلأنّ الحاكم في شبه الجزيرة العربيّة كان هو الفوضى والتقاتل والتناحُر، والحاكم في مثل إمبراطوريّة الروم أو إمبراطوريّة الفُرس كانت هي الملوكيّة دون رئاسة الجمهور أو الانتخاب، وأمّا الثاني فلما أشرنا اليه آنفاً من أنّه لم تكن حكومة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان عن طريق الانتخاب وتحكيم رأي الأكثريّة.

وقد ذكر اُستاذنا الشهيد الصدر(قدس سره) كشاهد على أنّ خلافة الثلاثة لم تكن بالشورى والانتخاب، ولم يكن هذا هو فهم الاُمّة أو ذهنيّة الجيل الطليعي منها: «أنّ هذا الجيل كان يحتوي على اتجاهين:

أحدهما: الاتجاه الذي يتزعّمه أهل البيت.

والآخر: الاتجاه الذي تمثّله السقيفة والخلافة التي قامت فعلاً بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله).

أمّا الاتجاه الأوّل: فمن الواضح أنّه كان يؤمن بالوصاية والإمامة، ويؤكّد على القرابة، ولم ينعكس منه الإيمان بفكرة الشورى.

وأمّا الاتجاه الثاني: فكلّ الأرقام والشواهد في حياته وتطبيقه العملي تدلّ

250

بصورة لا تقبل الشكّ على أنّه لم يكن يؤمن بالشورى ولم يبن ممارسته الفعليّة على أساسها، والشيء نفسه نجده في سائر قطاعات ذلك الجيل الذي عاصر وفاة الرسول الأعظم من المسلمين.

نلاحظ بهذا الصدد للتأكّد من ذلك أنّ أبا بكر حينما اشتدّت به العلّة عهد إلى عمر بن الخطّاب، فأمر عثمان أن يكتب عهده، فكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبوبكر خليفة رسول الله إلى المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم، إنّي أحمد إليكم الله. أمّا بعد، فإنّي استعملت عليـكم عمـر بـن الخـطّاب، فـاسمعوا وأطيعوا)(1).

ودخل عليه عبد الرحمن بن عوف فقال: كيف أصبحت يا خليفة رسول الله، فقال: أصبحت مولّياً، وقد زدتموني على ما بي أن رأيتموني استعملت رجلاً منكم، فكلّكم قد أصبح وارماً أنفُه، وكلّ يطلبها لنفسه(2).

وواضح من هذا الاستخلاف وهذا الاستنكار للمعارضة أنّ الخليفة لم يكن يفكّر بعقلية نظام الشورى وأنّه كان يرى من حقّه تعيين الخليفة، وأنّ هذا التعيين يفرض على المسلمين الطاعة، ولهذا أمرهم بالسمع والطاعة، فليس هو مجرّد ترشيح أو تنبيه، بل هو إلزام ونصب.

ونلاحظ أيضاً أنّ عمر رأى هو الآخر أنّ من حقّه فرض الخليفة على المسلمين، ففرضه في نطاق ستة أشخاص، وأوكل أمر التعيين إلى الستّة أنفسهم دون أن يجعل لسائر المسلمين أيّ دور حقيقي في الانتخاب. وهذا يعني أيضاً أنّ عقليّة نظام الشورى لم تتمثّل في طريقة الاستخلاف التي انتهجها عمر، كما لم


(1) انظر: تاريخ الطبري 3: 428 و429، ومختصر تاريخ ابن عساكر 18: 309 ـ 310.

(2) راجع تاريخ اليعقوبي 2: 24. وتاريخ الطبري 3: 429.

251

تتمثّل من قبل في الطريقة التي سلكها الخليفة الأوّل، وقد قال عمر حين طلب منه الناس الاستخلاف: لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة وأبو عبيدة الجـرّاح، ولو كان سالـم حيّاً ما جعلتها شورى(1).

وقال أبوبكر لعبد الرحمن بن عوف وهو يناجيه على فراش الموت: (وددت لو أ نّي كنت سألت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد)(2).

وحينما تجمّع الأنصار في السقيفة لتأمير سعد بن عبادة قال منهم قائل: (إن أبت مهاجرة قريش فقالوا: نحن المهاجرون... ونحن عشيرته وأولياؤه...، وقالت طائفة منهم: فإنّا نقول إذن: منّا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا الأمر أبداً)(3).

وحينما خطب أبوبكر فيهم قال: (كنّا ـ معاشر المسلمين المهاجرين ـ أوّل الناس إسلاماً، والناس لنا في ذلك تبع، ونحن عشيرة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وأوسط العرب أنساباً)(4).

وحينما اقترح الأنصار أن تكون الخلافة دوريّة بين المهاجرين والأنصار، ردّ أبوبكر قائلاً: (إنّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) لمّا بعث عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخالفوه وشاقّوه، وخصّ الله المهاجرين الأوّلين من قومه بتصديقه...، فهم أوّل من عبد الله في الأرض...، وهم أولياؤه وعترته وأحقّ الناس بالأمر


(1) راجع طبقات ابن سعد 3: 343.

(2) راجع تاريخ الطبري 3: 431.

(3) راجع تاريخ الطبري 3: 218 ـ 219.

(4) شرح نهج البلاغة (لابن أبي الحديد) 6: 7.

252

بعده، لا ينازعهم فيه إلّا ظالم)(1).

وقال الحباب بن المنذر وهو يشجّع الأنصار على التماسك: (أملكوا عليكم أيديكم، إنّما الناس في فيئكم وظلّكم...، فإن أبى هؤلاء فمنّا أمير ومنهم أمير).

فردّ عليه عمر قائلاً: (هيهات، لا يجتمع سيفان في غمد...، من ذا يخاصمنا في سلطان محمّد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلّا مُدل بباطل أو متجانف لإثُمّ أو متورّط في هلكة).

إنّ الطريقة التي مارسها الخليفة الأوّل والخليفة الثاني للاستخلاف، وعدم استنكار عامّة المسلمين لتلك الطريقة والروح العامّة التي سادت على الجناحين المتنافسين من الجيل الطليعي ـ المهاجرين والأنصار ـ يوم السقيفة، والاتجاه الواضح الذي بدا لدى المهاجرين نحو تقرير مبدأ انحصار السلطة بهم وعدم مشاركة الأنصار في الحكم، والتأكيد على المبرّرات الوراثيّة التي تجعل من عشيرة النبي(صلى الله عليه وآله) أولى العرب بميراثه، واستعداد كثير من الأنصار لتقبّل فكرة أميرين، أحدهما من الأنصار والآخر من المهاجرين، وإعلان أبي بكر الذي فاز بالخلافة في ذلك اليوم عن أسفه لعدم السؤال من النبيّ عن صاحب الأمر بعده، كلّ ذلك يوضّح بدرجة لا تقبل الشكّ أنّ هذا الجيل الطليعي من الاُمّة الإسلاميّة ـ بما فيه القطّاع الذي تسلّم الحكم بعد وفاة النبيّ ـ لم يكن يفكّر بذهنيّة الشورى، ولم يكن لديه فكرة محدّدة عن هذا النظام، فكيف يمكن أن نتصوّر أنّ النبيّ مارس عمليّة توعية على نظام الشورى تشريعيّاً وفكريّاً، وأعدّ جيل المهاجرين والأنصار لتسلّم قيادة الدعوة بعده على أساس هذا النظام، ثمّ لا نجد


(1) المصدر السابق 6: 8.

253

لدى هذا الجيل تطبيقاً واقعيّاً لهذا النظام أو مفهوماً محدّداًعنه؟!!»(1).

 

التنصيص بآيتي التبليغ والإكمال

ممّا يدل على أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) لم يؤكّد على الشورى بل أكّد على النصّ من قبل الله تعالى آية التبليغ، وهي قوله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين﴾(2). فإنّ الآية المباركة واضحة في أنّ ما اُنزل على الرسول(صلى الله عليه وآله)والذي تشير إليه هذه الآية مشتمل على خصوصيّات ثلاث:

الاُولى: أنّه كان من الأهمّية بمستوى يوازي أصل الرسالة ولهذا يقول: ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه﴾، وليس المقصود بهذه العبارة: إن لم تبلّغ رسالته فما بلّغت تلك الرسالة؛ فإنّها قضيّة بشرط المحمول وبديهيّة لا تحتاج إلى بيان، بل المقصود: إن لم تبلّغ هذا الذي اُنزل إليك فكأنّك لم تبلّغ أصل الرسالة، وما الذي يمكن أن يفترض عِدلاً للرسالة عدا أمر الخلافة والولاية الذي يكون تضييعه مؤدّياً إلى تضييع أصل الدين؟

الثانية: أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) كان يتثاقل من تبليغه، وإلّا لم يكن هناك مورد لهذا التأكيد والتهديد بأنّ عدم إبلاغه يساوي عدم إبلاغ أصل الرسالة. ويا ترى هل تثاقل الرسول(صلى الله عليه وآله) عن تبليغ حكم الصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج أو أيّ حكم آخر؟

الثالثة: أنّ تثاقل الرسول(صلى الله عليه وآله) عن التبليغ كان خوفاً من الناس؛ ولهذا أمّنه


(1) التشيّع والإسلام (بحث حول الولاية): 23 ـ 27.

(2) س 5 المائدة، الآية: 67.

254

الله تعالى عن ذلك بقوله: ﴿وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس﴾، فيا ترى ما هو الذي كان يوجب هذا التخوّف ويحتاج هذا التأمين من جميع أحكام الإسلام إلّا حكم تعيين الخلافة في من لا يرضى به المنافقون؟ أمّا لو كان الحكم بشأن الخلافة عبارة عن الأمر بالشورى والانتخاب فهذا لم يكن يوجب بشأن إبلاغه أيّ تخوّف، ولم يكن يحتاج إلى تأمين خاصّ.

وعليه فيمكن الاستدلال بهذه الآية المباركة على أنّ الثابت بشأن الإمامة هو النصّ الخاصّ من الله، وليس الشورى أو الانتخاب أو رأي الأكثريّة.

وممّا يدل على أنّ التأكيد كان على النصّ وليس الشورى أو الانتخاب آية الإكمال، وهي قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَة غَيْرَ مُتَجَانِف لاِِّثْم فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم﴾(1).

ووجه الاستدلال: أنّ المشار اليه بكلمة ﴿الْيَوْم﴾ في قوله: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ﴾ وفي قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ واحد بلا إشكال، والمحتمل فيه أحد اُمور ثلاثة:

الأوّل: أن يكون المشار إليه عصر رسالة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وليس يوماً معيّناً كيوم الغدير أو أيّ يوم آخر، وتوضيح ذلك: أنّ الدين الحقيقي كان دائماً هو الإسلام كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَم﴾(2)، فحتّى دين المسيح الحقيقي


(1) س 5 المائدة، الآية: 3.

(2) س 3 آل عمران، الآية: 19.

255

ودين موسى الحقيقي كان هو الإسلام، وكما قال الله تعالى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِك﴾(1)، إلّا أنّ الاسلام في العهود السابقة كان فيه شيء من النقص نتيجة ما كان يناسب تطبيقه في تلك الأزمنة، ولكن برسالة الرسول(صلى الله عليه وآله): ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ﴾ ـ الذي كان قبل الرسول(صلى الله عليه وآله) ـ ديناً كاملاً برسالة الرسول(صلى الله عليه وآله).

إلّا أنّ هذا المعنى لا يناسب قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْن﴾، فإنّ رسالة الرسول(صلى الله عليه وآله) لم تُيئس الكافرين؛ ولهذا أقاموا ضدّها الحروب المدمِّرة والساحقة لكثير من الطرفين.

الثاني: أن يكون المشار إليه يوم إنزال تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اُهلّ لغير الله به.

وهذا أيضاً غير محتمل؛ وذلك لأنّه:

أوّلاً: إنّ هذه الأحكام ليست في الأهمّية بدرجة ينسب إليها إكمال الدين أو الرضا بسببها لكون الإسلام ديناً.

وثانياً: إنّ هذه الأحكام لم توجب يأس الذين كفروا كما هو واضح.

الثالث: أن يكون المشار إليه يوم تشريع الخلافة؛ إذ به يكمل الدين؛ لأنّه بإهماله يصبح الدين في مهبّ الريح، وليس المقصود تشريع الخلافة بمعنى إنزال فكرة الشورى والانتخاب المؤدّية إلى تعيين الخليفة؛ لأنّ مجرّد إنزال فكرة الشورى والانتخاب لا يوجب يأس الذين كفروا ما لم ينته إلى التعيين العملي؛ لأنّ الكافرين يطمعون عندئذ في أن لا تنتهي الشورى إلى وحدة الكلمة أو إلى انتخاب الشخص الحكيم حقيقةً القادر على حفظ الدين، فينحصر الأمر في كون


(1) س 41 فصّلت، الآية: 43.

256

المشار إليه يوم تعيين الخليفة بالنصّ وهو المقصود.

يبقى الكلام في أنّ إقحام هذه الجملة في وسط أحكام الميتة والدم ولحم الخنزير... يكون معناه جعل هذه الجملة في غير محلّها الأصلي، وذلك إمّا يكون بغباء من قبل شخص، أو بحكمة من الله ورسوله كحكمة حفظ الآية من أن يسقطها من لا يرضون بتلك الخلافة، وكم له ـ أي لجعل الآية في غير محلّها المناسب ـ من نظير، ونذكر لذلك النماذج التالية:

الأوّل: آية العدّة التي جعلت العدّة بمقدار أربعة أشهر وعشر وهي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُر وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير﴾(1) قبل آية جعلها سنة في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لاَِّزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاج فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوف وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم﴾(2)، في حين أنّ الاُولى هي الناسخة للثانية دون العكس.

الثاني: آية التطهير(3) التي اُقحمت ضمن آيات نساء النبيّ رغم القطع بعدم ارتباطها بها؛ ذلك لأنّ الاحتمالات البدويّة فيها ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: اختصاصها بنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله).

الاحتمال الثاني: شمولها لنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ولعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).

الاحتمال الثالث: اختصاصها بعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام).

 


(1) س 2 البقرة، الآية: 234.

(2) س 2 البقرة، الآية: 240.

(3) س 33 الأحزاب، الآية: 33.

257

والاحتمال الأوّل باطل جزماً بدليل تبدّل اللحن من ضمير الجمع المؤنّث المستعمل في جميع تلك الآيات قبل آية التطهير وبعدها إلى ضمير الجمع المذكّر.

والاحتمال الثاني يستلزم التناقض في داخل تلك الآيات؛ لأنّه من ناحية نرى أنّ لحن تلك الآيات لا يناسب افتراض العصمة لنساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) فإنّ اللحن يقول: ﴿أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾ ويقول: ﴿لَسْتُنَّ كَأَحَد مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ فيبدو أنّه لا ضمان لكونهنّ جميعاً محسنات أو متّقيات، ومن ناحية اُخرى لا يناسب التطهير في آية التطهير أن يكون مراداً إرادة تشريعيّة؛ لأنّ الإرادة التشريعيّة للتطهير ثابتة لله بشأن جميع البشر ولا مزيّة في ذلك لأهل البيت(عليهم السلام)، في حين أنّه من الواضح أنّ آية التطهير ترمز إلى مزيّة لأهل البيت(عليهم السلام) (وتوخياً للاختصار نتجنّب البحث عن أنّها إذن هل هي محمولة على الإرادة التكوينيّة ولا يستلزم ذلك الجبر، أو على قسم ثالث من الإرادة التي شرحناها في كتابنا الإمامة والقيادة عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) تخلّصاً من احتمال استلزام الجبر؟).

فلكي لا يلزم التناقض ضمن آيات نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ولكي يعقل تبدّل اللحن من ضمير الجمع المؤنّث إلى ضمير الجمع المذكّر في آية واحدة ضمن ما قبلها وما بعدها، يتعيّن الاحتمال الثالث.

إذن فالآية أجنبيّة عمّا قبلها وما بعدها واُقحمت في غير المقام المناسب لها، سواء كان ذلك بفعل إنسان غافل لدى تنظيم الآيات، أو كان بفعل عزيز حكيم، أو بفعل الرسول(صلى الله عليه وآله) لحكمة ما كحفظ الآية عن التحريف أو الحذف.

الثالث: قوله تعالى في سورة يوسف(عليه السلام): ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ

258

اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ * وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيم﴾(1).

فهذه الآيات ـ كما ترى ـ بدأت باعتراف امرأة العزيز بجرمها على أساس أنّها أصبحت مفاجأة بوضوح الحقّ باعتبار شهادة النسوة اللاتي قطّعن أيديهنّ، فرأت نفسها مفضوحة على أيّ حال؛ لأنّه قد حصحص الحقّ فاعترفت بقولها: ﴿أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين﴾، فكأنّ لحن الآية يقتضي: أنّ جملة ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْب...﴾ أيضاً من كلامها، إذ قد جاءت بعد ما كان من كلامها يقينا من دون إيذان بانتهاء الكلام، فكأنّها تقول: ذلك ليعلم يوسف أ نّي لم أخنه بالغيب، وإن كنت خنتُه أمامه حينما قلت: ﴿مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءاً إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيم﴾(2)، وما اُبرّئُ نفسي من أنّها دعتني إلى الزنا بيوسف ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيم﴾.

ولكن هذا التفسير لا يمكن أن نحتمل صحّته، فأوّلاً: ما معنى الافتخار بعدم الخيانة بالغيب مع وقوع الخيانة حضوراً واستمرارها لحين الاعتراف؟ وثانياً: قد أفاد السيّد الطباطبائي(قدس سره)(3) ما يمكن شرحه كالتالي: إنّ صدور هذه المعارف الإلهيّة الراقية من قبل امرأة مشركة تستحي من الصنم ولا تستحي من الله غير معقول، فمن أين تدرك قبل اهتدائها وتربيتها على يد يوسف(عليه السلام) قبح الخيانة بالغيب، وأنّ الله لا يهدي كيد الخائنين؟ وكيف تعرف معنى ومغزى لكون النفس أمّارة بالسوء الّا بعصمة الله تعالى، وأنّ الله غفور رحيم؟ فهذه المعارف الإلهيّة العظيمة لا يمكن أن تصدر إلّا من بيوت الأنبياء أو المتربّين في مدرسة الأنبياء،


(1) س 12 يوسف، الآية: 51 ـ 53.

(2) س 12 يوسف، الآية: 25.

(3) تفسير الميزان 11: 199، ذيل تفسير الآية المباركة.

259

فكيف تنسب إلى عابدة للوثن ومجرمة بحقّ يوسف(عليه السلام) إجرام توجيه تهمة قبيحة إليه، ثمّ إجرام إيقاعه بالسجن لذاك الحين؟

إذن لابدّ أن يكون ذاك الكلام ليوسف(عليه السلام)، وتفسيره ما يلي: قال يوسف(عليه السلام): ذلك ليعلم العزيز أ نّي لم أخنه بالغيب في امرأته وأنّ الله لا يهدي كيد الخائنين، ثمّ التفت(عليه السلام) إلى أنّ هذا الكلام قد يعتبر تعظيماً وإجلالاً لنفسه فتدارك ذلك ببيان أنّ كلّ هذا بتوفيق من الله، وما اُبرّئ نفسي بما هي نفس فإنّ النفس لأمّارة بالسوء إلّا بصيانة الله تعالى وهو الغفور الرحيم.

وعليه فالآية جعلت في سياق قد يبادر إلى الذهن معنى غير محتمل، فلتكن آية إكمال الدين من هذا النمط.

 

 

 

* * *

 

261

 

 

 

 

 

إثبات إمامة الأئمّة(عليهم السلام)

 

إمامة علي(عليه السلام) بلا فصل

 

نبحث فيما يلي عن إمامة علي(عليه السلام) ونتمسّك لإثباتها ببعض الآيات القرآنية:

 

آيتا: التبليغ والإكمال

 

يمكن الاستدلال بآيتي التبليغ والإكمال لإثبات إمامة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)بلا فصل بإضافة جملة مختصرة على ما تقدّم من الاستدلال بهما لإثبات التنصيص وإبطال الشورى، وذلك بأن يقال: لو ثبت بالآيتين أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) نصّ على الخليفة بالتعيين والنصب فذاك ليس أحد الثلاثة بإجماع المسلمين؛ لأنّ أحداً من السنّة لم يدّعِ ورود نصّ من قبل الله على تعيينه إماماً، فينحصر الأمر بما يقوله أحد الجناحين من المسلمين وهم الشيعة من تعيين عليّ(عليه السلام)إماماً وخليفة بنصّ الرسول(صلى الله عليه وآله) عن الله في يوم الغدير.

وهذا بقطع النظر عن مسألة تواتر نقل نصّ الغدير شيعةً وسنّةً، ونحن لا نريد أن ندخل في بحث تواتر نصّ الغدير، فليطلب ذلك من الكتب المطوّلة كالغدير

262

والمراجعات وپيام قرآن المجلّد التاسع وغيرها.

ولا بأس هنا بنقل مقطع من كلام رشيد رضا المفسّر السنّي المعروف في تفسير المنار حيث قال في ذيل آية التبليغ:

(وقد اختلف مفسّرو السلف في وقت نزول هذه الآية، فروى ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس، وأبو الشيخ عن الحسن، وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد: ما يدل على أنّها نزلت في أوائل الإسلام وبدء العهد بالتبليغ العام. وكأنّها على هذا القول وضعت في آخر سورة مدنيّة؛ للتذكير بأوّل العهد بالدعوة في آخر العهد بها.

وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري: أنّها نزلت يوم غدير خم في عليّ بن أبي طالب.

وروت الشيعة عن الإمام محمّد الباقر أنّ المراد بما اُنزل إليه من ربّه النصّ على خلافة عليّ بعده، وأنّه(صلى الله عليه وسلم) كان يخاف أن يشقّ ذلك على بعض أصحابه فشجّعه الله تعالى بهذه الآية.

وفي رواية عن ابن عباس: أنّ الله أمره أن يخبر الناس بولاية عليّ فتخوّف أن يقولوا: حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فلمّا نزلت الآية عليه في غدير خم أخذ بيد عليّ وقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه».

ولهم في ذلك روايات وأقوال في التفسير مختلفة، ومنها: ما ذكره الثعلبي في تفسيره: أنّ هذا القول من النبيّ(صلى الله عليه وسلم) في موالاة عليّ شاع وطار في البلاد، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فأتى النبيّ(صلى الله عليه وسلم) على ناقته وكان بالأبطح، فنزل وعقل ناقته وقال للنبيّ(صلى الله عليه وسلم) وهو في ملأ من أصحابه: يا محمّد، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله، فقبلنا منك ـ ثمّ ذكر سائر أركان الإسلام

263

وقال ـ: ثمّ لم ترض بهذا حتّى مددت بضبعي ابن عمّك وفضّلته علينا، وقلت: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فهذا منك أم من الله؟ فقال(صلى الله عليه وآله): «والله الذي لا إله إلّا هو، هو أمر الله» فولّى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره، وأنزل الله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِـع * للكَافِرينَ ...﴾(1).

وهذه الرواية موضوعة، وسورة المعارج هذه مكّية، وما حكاه الله من قول بعض كفّار قريش: اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك، كان تذكيراً بقول قالوه قبل الهجرة، وهذا التذكير في سورة الأنفال وقد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين، وظاهر الرواية أنّ الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتدّ، ولم يعرف في الصحابة، والأبطح بمكّة، والنبيّ(صلى الله عليه وسلم) لم يرجع من غدير خم إلى مكّة، بل نزل في منصرفه من حجّة الوداع إلى المدينة)(2).

والآن اُعلّق على بعض المقاطع من كلامه كما يلي:

1 ـ قوله في ذيل التفسير الذي قال: نزلت في أوائل الإسلام: (وكأنّها على هذا القول وضعت في آخر سورة مدنيّة؛ للتذكير بأوّل العهد بالدعوة في آخر العهد بها).

أقول: لو كان المفروض أنّ الآية نزلت في أواخر حياة النبيّ(صلى الله عليه وآله) بالمدينة لعلّه كان يصح أن يقال: إنّها تذكير في آخر العهد بأوّل العهد، ولكنّي لا أدري ما معنى جعل آية مكّية في سورة مدنيّة للتذكير بأوّل العهد؟ وهل النبيّ(صلى الله عليه وآله) هو الذي جعل الآية المكّية في سورة مدنيّة ليذكّر نفسه بعهد مكّة، أم جعلها في


(1) س 70 المعارج، الآية: 1 ـ 2.

(2) تفسير المنار 6: 463 ـ 464.

264

سورة مدنيّة ليذكّر الناس بعهد مكّة؟ وهل الناس لم يكونوا يقرأونها من حين نزولها في مكّة إلى أن جعلت في سورة مدنيّة فذكّرتهم بأوّل العهد؟

2 ـ قوله: (وهذه الرواية موضوعة وسورة المعارج هذه مكّية).

أقول: لا أدري لماذا يستنكر فرض تسجيل بعض آيات مدنيّة ضمن سورة مكّية، في حين أنّ هذا مألوف في القرآن الكريم في موارد عديدة؟

3 ـ قوله: (وما حكاه الله من قول بعض كفّار قريش: اللهمّ إن كان هو الحقّ من عندك، كان تذكيراً بقول قالوه قبل الهجرة، وهذا التذكير في سورة الأنفال، وقد نزلت بعد غزوة بدر قبل نزول المائدة ببضع سنين).

أقول: لم يدّع أحد أنّ الله تعالى أنزل بعد غدير خم آية: ﴿قَالُوا اللهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقّ ...﴾(1) وإنّما المدّعى: أنّ الحارث بن النعمان، أو أيّ اسم آخر ورد في بعض النقول الاُخرى، طلب بعد غدير خم نزول العذاب على نفسه، وكان طلبه بتعبير تعلّمه من سورة الأنفال الواردة سابقاً فقال: اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك... .

4 ـ قوله: (وظاهر الآية أنّ الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتدّ، ولم يعرف في الصحابة).

أقول: ولا أدري كيف عرف رشيد رضا أنّه قد علم بجميع صحابة النبيّ(صلى الله عليه وآله)القريب منهم والبعيد الذين يتجاوزون الآلاف المؤلّفة، فرأى أنّ هذا الاسم لم يكن منهم؟!

5 ـ قوله: (والأبطح بمكّة، والنبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يرجع من غدير خم إلى مكّة، بل نزل في منصرفه من حجّة الوداع إلى المدينة).

 


(1) س 8 الأنفال، الآية: 32.

265

أقول: لا أدري كيف عرف رشيد رضا أنّ المقصود بالأبطح في هذه القصّة ـ والتي لم يرد إلّا في بعض نقولها وليس في جميع النقول ـ هو وادي الأبطح الذي كان بمكّة، في حين أنّ الأبطح والبطحاء اسم لكلّ مَسيل رمليّ، والمناطق المسمّاة بهذا الاسم كثيرة، كما استشهد لذلك سماحة آية الله الشيخ ناصر مكارم في پيام قرآن(1) بقول الشاعر في مراثي أهل البيت(عليهم السلام):

ملكنا فكان العفو منّا سجيّة
فلمّا ملكتم سال بالدّمّ أبطح
 

مع أنّنا نعلم أنّه لم تسل دماء أهل البيت(عليهم السلام) في وادي الأبطح في مكّة، بل سالت في العراق: كربلاء والكوفة.

واستشهد أيضاً بقول الشاعر في رثاء الحسين(عليه السلام):

وتئنّ نفسي للربوع وقد غدا
بيت النبيّ مقطّع الأطناب
بيت لآل المصطفى في كربلا
ضربوه بين أباطح ورواب
 

وعلى أيّة حال انتهينا إلى أنّ الآيتين المباركتين الراجعتين إلى غدير خم تدل بأنفسهما ـ وبغضّ النظر عن تواتر حديث الغدير ـ على بطلان خلافة الخلفاء الثلاثة، وانحصار الحقّ بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في عليّ(عليه السلام).

 

آية: ﴿ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين ﴾

 

يمكن التمسّك بقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين﴾(2) لإثبات عدم صلاحيّة الخلفاء الثلاثة الأوائل للإمامة.

 


(1) پيام قرآن 9: 197.

(2) س 2 البقرة، الآية: 124.

266

والوجه الابتدائي للاستدلال بهذه الآية على ذلك أنّه: لا خلاف بين الشيعة والسنّة في أنّهم كانوا يسجدون للأصنام في بداية أمرهم، وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم﴾(1)، وقد نصّت الآية المباركة على أنّ عهد الله لا ينال الظالمين.

ويعترض عادة على ذلك: بأنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس دون ما انقضى عنه المبدأ، والخلفاء الثلاثة في رأي إخواننا السنّة قد انقضى عنهم مبدأ الظلم.

وقد يجاب على ذلك: بأنّ عظمة مقام الإمامة وجلالتها قرينة على استخدام المجاز وجعل المشتقّ مستعملاً في الأعم من المتلبّس والمنقضي عنه المبدأ.

أقول: لو انحصر الإشكال في مسألة انقضاء المبدأ وغضّ النظر عن نكتة أخرى، أمكن الجواب عنه: بأنّ الآية شملتهم حين سجودهم للصنم، فإنّهم في ذلك الوقت كانوا متلبّسين بالمبدأ، ودلّت في ذلك الوقت على أنّهم لا ينالهم العهد إلى الأبد.

إلّا أنّه يقال في مقابل ذلك: إنّ ظاهر ربط حكم بعنوان هو تعاصر زمن الحكم للعنوان، فلو قيل: (قلّد المجتهد العادل) كان ظاهره هو التقليد في زمن الاجتهاد والعدالة، لا في ما بعد أن تحوّل إلى حالة لا يعلم بعد علم شيئاً، أو تحوّل إلى حالة الفسق. ولو قيل: (لا تقلّد الفاسق) فظاهره النهي عن تقليده في وقت فعلية الفسق دون ما بعده.

وهنا أيضاً قد يجاب بأنّ عظمة وجلالة مقام الإمامة قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور.

ولكنّنا نقول هنا شيئاً آخر لا نحتاج معه إلى تلك القرينة؛ وذلك لوجود قرينة


(1) س 31 لقمان، الآية: 13.

267

اُخرى لا يشوب معها شكّ ولو بمقدار واحد في المئة في أنّ النظر إنّما هو إلى الظالم حتّى بعد زوال ظلمه؛ إذ لو خصّصنا الآية بالظالم في حين ظلمه لزم افتراض أنّ إبراهيم(عليه السلام) ـ وهو سيّد الأنبياء بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ كان غبيّاً لا سمح الله إلى حدّ أن يتوقّع من الله تعالى إعطاءه العهد حتّى للظالم في حالة ظلمه فيجعله إماماً حين يظلم، وهذا غير محتمل.

وقد قال العلاّمة الطباطبائي(رحمه الله) في تفسير الميزان: «وقد سئل بعض أساتيذنا ـ رحمة الله عليه ـ عن تقريب دلالة الآية على عصمة الإمام، فأجاب: إنّ الناس بحسب القسمة العقليّة على أربعة أقسام: من كان ظالماً في جميع عمره، ومن لم يكن ظالماً في جميع عمره، ومن هو ظالم في أوّل عمره دون آخره، ومن هو بالعكس.

وإبراهيم(عليه السلام) أجلّ شأناً من أن يسأل الإمامة للقسم الأوّل والرابع من ذرّيّته، فبقي قسمان، وقد نفى الله أحدهما وهو الذي يكون ظالماً في أوّل عمره دون آخره، فبقي الآخر وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره)(1).

 

آية: الولاية

 

يمكن الاستدلال على حصر الولاية في أميرالمؤمنين علي(عليه السلام)دون السابقين عليه بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون﴾(2).

ووجه الاستدلال بهذه الآية المباركة أنّ الآية بالرغم من أنّها لا تقصر عن


(1) تفسير الميزان 1: 274.

(2) س 5 المائدة، الآية: 55.

268

أداء كبرى كلّية وبمصطلح الاُصوليين عن أداء قضيّة حقيقيّة، أو قل: إنّ القرآن يجري مع الزمان مجرى الشمس والقمر، ولكن من الواضح جدّاً أنّها تنظر بطرف جلّي إلى قضيّة خارجيّة وواقعة شخصيّة.

ويتّضح ذلك بالالتفات إلى جملة ﴿وَهُمْ رَاكِعُون﴾ من زاويتين:

الاُولى: ما المقصود بالركوع؟

فقد يقال: إنّ المقصود به الخضوع والانقياد، ولكن التعبير المعروف عن الخضوع والانقياد حتّى في القرآن هو القنوت لا الركوع. قال الله تعالى: ﴿ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْن﴾(1)، ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين﴾(2)، ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء الليْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الاْخِرَة﴾(3)، ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين﴾(4)، ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّه﴾(5)، ﴿وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات﴾(6)، ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَات مُّؤْمِنَات قَانِتَات...﴾(7)، ﴿سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُون﴾(8)، ﴿وَقُومُوا لِلّهِ قَانِتِين﴾(9)، ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار﴾(10)، ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِين﴾(11).

 


(1) س 33 الأحزاب، الآية: 31.

(2) س 3 آل عمران، الآية: 43.

(3) س 39 الزمر، الآية: 9.

(4) س 16 النحل، الآية: 120.

(5) س 4 النساء، الآية: 34.

(6) س 33 الأحزاب، الآية: 35.

(7) س 66 التحريم، الآية: 5.

(8) س 2 البقرة، الآية: 116.

(9) س 2 البقرة، الآية: 238.

(10) س 3 آل عمران، الآية: 17.

(11) س 66 التحريم، الآية: 12.

269

وعليه فالظاهر أنّ المقصود بالركوع في الآية محلّ البحث هو الركوع المعروف.

الثانية: الواو في قوله: ﴿وَهُمْ رَاكِعُون﴾ واو حاليّة، بمعنى أنّ إيتاءهم للزكاة كان في حالة الركوع وليست عاطفة، وإلّا لكان المفروض أن يقال: ويركعون، لا أن يقال: ﴿وَهُمْ رَاكِعُون﴾ الذي يدلّ على الاستمرار؛ لوضوح أنّ حالة الركوع المعروف ـ أي الحالة الانحنائيّة ـ ليست دائميّة ومستمرّة.

إذن الآية ناظرة إلى قضيّة خارجيّة، وهي ما وقع صدفة واتفاقاً من أنّ التصدّق كان في حالة الركوع، والتاريخ لايحكي لنا شيئاً من هذا القبيل إلّا بشأن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، إذن الولاية له.

نعم روى الفخر الرازي في تفسيره عن عكرمة: أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر(1)، لكن هذا لا يعني أنّ المتصدّق في حالة الركوع كان هو أبا بكر، فإنّهم لا يفسّرون قوله: ﴿وَهُمْ رَاكِعُون﴾ بمعنى التصدّق في حالة الركوع، أي الانحناء الصلاتي المألوف، بل يفسّرونه بمعنى الطاعة تارة، وبمعنى كونه كناية عن أنّ من شأنهم إقامة الصلاة اُخرى، باعتبار أنّ الركوع جزء من الصلاة شرّفه بالذكر ونحو ذلك. أمّا قصّة التصدّق في حالة الانحناء الصلاتي المعروف فلم يرد في التاريخ إلّا بشأن عليّ(عليه السلام).

ولنعم ما روي عن حسّان بن ثابت بشأن عليّ(عليه السلام):

وأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً
زكاةً فدتك النفس يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير وَلاية
وبيّنها في محكمات الشرائع
 

 


(1) راجع تفسير الفخر الرازي 12: 26.

270

شبهات وردود:

نذكر فيما يلي بعض الشبهات حول الاستدلال بآية الولاية على الخلافة بلا فصل مع ردودها:

فقد ذكر الفخر الرازي شبهات(1) في المقام من قبيل:

1 ـ لم لا يجوز أن يكون المراد من لفظ «الوليّ» في هذه الآية: الناصر والمحبّ دون ولاية الأمر؟ وهذا أولى بسياق الآية؛ لما ورد فيما قبلها من قوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء﴾(2)؛ ولما ورد من بعدها من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء...﴾(3).

أقول: إنّ الولاية بهذا المعنى ثابتة لجميع المؤمنين كما قال الله تعالى: ﴿الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض...﴾(4)، ولا ميزة في ذلك للذي تصدّق في حال الركوع.

وأمّا السياق الذي ذكره فهو مقطوع، أمّا ما قبل الآية فسياق قوله تعالى: ﴿لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض﴾ ـ وهو الوارد في الآية ( 51 ) ـ يستمرّ إلى آخر الآية ( 53 )، ولم يعلم كون الآية ( 54 ) ـ التي هي قبل الآية المقصودة ـ نازلة مع المقطع السابق. وأمّا ما بعد الآية فأيضاً لم يعلم أنّ الآية(56) و(57) نازلة مع المقطع السابق.

 


(1) راجع المصدر السابق: 27 ـ 31.

(2) س 5 المائدة، الآية: 51.

(3) س 5 المائدة، الآية: 57.

(4) س 9 التوبة، الآية: 71.