232

الميت أو كلا الأمرين، وإن استأنفه بالترتيب نوى الخروج عن العهدة شرعاً.

مسائل تتّصل بشرط الإباحة:

(19) من اغتسل وعلى عورته ساتر أو على جزء آخر من بدنه، وكان هذا الساتر مغصوباً صحّ منه الغسل ما دام لايحجب ولا يمنع من إسالة الماء على البشرة (أي ظاهر الجلد)، ولكنّه يأثم لمكان الغصب وفعله.

(20) ومن غصب وقوداً أو موقداً كهربائياً ـ مثلا ـ وأحمى به ماءً مباحاً واغتسل به صحّ غسله، وإن كان آثماً لفعل الغصب.

(21) ومن اغتسل في إحدى الحمّامات التجارية وكان من قصده منذ البداية أن لايعطي العوض لصاحب الحمّام، أو يعطيه من مال حرام، أو بعد حين دون أن يخبر صاحب الحمّام بالتأجيل فهل يصحّ منه الغسل أو يبطل؟

الجواب: للصحة وجه وجيه، ولكنّ الأولى استحباباً إعادة الغسل.

غسل الجبيرة:

(22) في فصل الوضوء تكلّمنا عن وضوء الجبيرة الذي يجب على الكسير والجريح والمقروح، ونشير هنا إلى غسل الجبيرة ضمن النقاط التالية:

أوّلا: في حالات وجود جرح وقرح يسمح للمكلّف الذي حصل له موجب الغسل أن يغتسل، ويكتفي بغسل أطراف الجرح والقرح(1)، كما يسمح له بأن يتيمّم.

 


(1) هذا إذا كان مكشوفاً، وأمّا إذا كان مجبّراً فعليه مسح مكان الجبيرة كما هو الحال في الوضوء ويكون غسله ترتيبيّاً لا ارتماسيّاً.
233

ثانياً: الكسير الذي شدّ العضو المريض بجبيرة يغتسل ويمسح على الجبيرة تماماً، كالمتوضّئ الكسير.

ثالثاً: الكسير الذي لم يضع جبيرةً على محلّ الكسر يجب عليه التيمّم، ولا يكتفي منه بالغسل الناقص.

كلّ ذلك إذا كان الغسل بالصورة الاعتيادية غير ميسور للمكلّف، وأمّا إذا تيسّر له ذلك بدون ضرر أو إحراج وجب عليه أن يغتسل بالطريقة الاعتيادية.

حول أحكام الخلل في الغسل:

(23) إذا حصل ما يوجب الغسل وشكّ المكلّف في أنّه هل اغتسل أو لا؟ وجب عليه أن يغتسل، ومن هذا القبيل من علم بأنّه قد دخل الحمّام بقصد الغسل من الجنابة أو غيرها، ولكن بعد أن خرج منه بأمد حدث له الشكّ في أنّه هل اغتسل، أم سها عنه فلم يغتسل، أو انصرف عن الغسل لسبب كان قد فجأه عند الدخول إلى الحمّام ـ مثلا ـ؟ ففي مثل هذه الحالة يجب عليه أن يغتسل؛ لأنّه باق على حكم الجنب.

(24) وإذا اغتسل ـ أو اغتسلت ـ ثمّ علم بعد الانصراف أو في الأثناء أنّه لم يغسل على الترتيب المطلوب شرعاً، فلم يقدّم الرأس والرقبة على الجسد، بل غسلهما في ضمن الجسد، بأن صبّ الماء على بدنه كلّه بدون ملاحظة ذلك اكتفى بما وقع منه من غسل للرأس والرقبة، ووجب عليه أن يعيد غسل جسده (الجسد ما عدا الرأس والرقبة من البدن).

(25) وإذا اغتسل على الترتيب ثمّ علم بعد الانصراف أنّه ترك غسل عضو من أعضائه فماذا يصنع؟

والجواب: إن كان هذا العضو هو الرأس أو الرقبة أو جزءً منهما وجب عليه

234

أن يغسله، ويعيد بعد ذلك غسل جسده. وإن كان هذا العضو في الجسد كاليد والرجل اقتصر على غسله ولم يُعِدْ غسل سائر الأعضاء.

(26) وإذا اغتسل ـ أو اغتلست ـ وشكّ في أنّه هل لاحظ الترتيب في غسله وقدم الرأس والرقبة على الجسد فماذا يصنع ؟

والجواب: أنّه يعتبر غسله صحيحاً ولا يعيده.

(27) وإذا اغتسل ـ أو اغتلست ـ وبعد الانصراف شكّ في أنّه هل غسل رأسه أو رقبته، أو شكّ في غسل جزء منهما ؟ بنى على أنّ غسله صحيح ولا يعيده.

ويجري الحكم نفسه إذا كان يغسل جسده ـ أي ما سوى الرأس والرقبة من البدن ـ وشكّ في غسل الرأس أو الرقبة فإنّه لا يعيد، بل يتمّ غسله، وأمّا إذا شكّ في غسل الرأس أو الرقبة أو جزء منهما قبل أن يبدأ بغسل الجسد فيجب عليه أن يغسل ما شكّ في غسله.

(28) وإذا اغتسل وغسل رأسه ورقبته وانحدر إلى جسده، ثمّ شكّ في أنّه هل غسل هذا العضو من جسده ـ كاليد أو الصدر أو أيّ عضو آخر من الجسد ـ وجب عليه أن يرجع إلى العضو المشكوك ويغسله، ولا يعيد غسل ما عداه، سواء حصل الشكّ لديه بعد الانصراف من الغسل أو في الأثناء، ولا فرق بين أن يكون العضو المشكوك في الجانب الأيمن من البدن أو الأيسر.

(29) إذا لم يكن شاكّاً في غسل العضو من الأساس، بل علم بغسل العضو المعيّن، ولكنّه شكّ في صحة غسله وفساده ـ مثلا احتمل أنّه غسله بماء نجس أو مضاف ـ فيبني على الصحة ولا تجب الإعادة، سواء حصل له هذا الشكّ بعد الانصراف من الغسل، أو في أثنائه بعد الانتقال من غسل ذلك العضو إلى غسل عضو آخر، أو بمجرّد الفراغ من غسل ذلك العضو وقبل الانتقال إلى غسل عضو آخر.

235

غسل الجنابَة وأحكامها

 

سبب الجنابة:

المراد بالجنابة هنا أمر معنويّ شرعي، وسببه أمران: خروج المني، والجماع. وكلمة « جُنُب » تطلق على الذكر والاُنثى، والواحد والجمع والمثنّى. والفقهاء يسمّون من جامع أو خرج منه المني جُنُباً، وقد يكون من مبرّرات ذلك أنّه يجتنب الصلاة ونحوها.

1 ـ خروج المني:

(30) ونتحدّث الآن عن السبب الأول، وهو خروج المني من القُبُل، فإنّه موجب للغسل الشرعي من الجنابة، قليلا كان أم كثيراً، في اليقظة أم في النوم، ومع الاضطرار والاختيار بالجماع وغيره.

وقد يخرج من غير القُبُل(1) والموضع المعتاد، أو يخرج بلون الحمرة كالدم لمرض أو لأيّ سبب آخر، فيلحقه حكم المني الاعتيادي، شريطة العلم واليقين بأنّه مني.

وكذلك إذا خرج بدون لذّة، أو بأيّ صفة اُخرى غريبة ما دام من المعلوم أنّه مني.

والعبرة في وجوب الغسل بسبب المني أن يبرز ويخرج من الجسم، ولا أثر


(1) القُبُل: ذَكَر الرجل، وهو الموضع المعتاد لخروج المني.(منه (رحمه الله)).
236

إطلاقاً لمجرّد تحرّكه في داخل الجسم، سواء أحدث ذلك في اليقظة أم في المنام.

(31) إذا علمنا بأنّ هذا الخارج مني ألحقنا به أحكامه كما عرفت. ولكن قد يخرج من الرجل ماء يشكّ في أنّه هل هو مني أو غير مني؟ فماذا يصنع؟

الجواب: لابدّ في هذا الفرض من اللجوء إلى ثلاثة أوصاف، وهي: الخروج مع اللذّة، والدفق (أي: الخروج بشدّة)، وفتور الجسم ـ أي: حالة الاسترخاء ـ عقيب خروجه، فإن اجتمعت هذه الأوصاف الثلاثة بالكامل في المشكوك كان حكمه حكم المني، وإذا انتفى وصف واحد منها مع سلامة الجسم من المرض فلا يرتّب عليه آثار المني(1).

أمّا مني المريض فلا يشترط ـ ليتعرّف عليه ـ الدفق، بل يكفي للحكم على مايخرج من المريض بأنّه مني أن يجتمع فيه وصفان فقط: اللذّة والفتور(2)، وإذا انتفى واحد منهما فلا يرتّب عليه آثار المني.

(32) إذا خرج من الرجل مني واغتسل من الجنابة، وبعد الغسل رأى رطوبةً لا يعلم هل هي من بقيّة المني السابق قد تخلّفت في المجرى أو سائل طاهر كالوذي ـ مثلا ـ فهل يجب عليه أن يعيد الغسل ثانيةً؟

الجواب: إذا كان قد بال قبل أن يغتسل فلا شيء عليه، وإلّا كانت الرطوبة بحكم المني وأعاد الغسل.

وإذا خرج منه مني واغتسل قبل أن يبول، ثمّ بال بعد الغسل واحتمل خروج شيء من المني مع بوله فلا شيء عليه.

 


(1) الظاهر كفاية الوصفين الأوّلين وهما الشهوة والدفق، أمّا الوصف الثالث ـ وهو الفتور ـ فهو لازم غالبيّ أو دائميّ لمجموع الأوّلين.
(2) الظاهر كفاية الوصف الأوّل وهو الشهوة.
237

(33) وإذا خرج منه ماء جديد وعلم بأنّه بول أو مني ولم يستطع أن يميّزه(1) فماذا يصنع؟

الجواب: إذا كان المكلّف قبل خروج هذا الماء منه متطهّراً ولا وضوء عليه ولا غسل وجب عليه في هذا الفرض الوضوء والغسل معاً.

وإذا كان قد حصل منه ما يوجب الوضوء توضّأ، ولا غسل عليه(2).

وإذا كان قد حصل منه ما يوجب الجنابة اغتسل، ولا وضوء عليه.

(34) وقد تسأل وتقول: هذا كلّه عن مني الرجل فماذا عن المرأة؟

والجواب: أنّ المرأة إذا خرج الماء منها بسبب حالة شهوة وتهيّج جنسيّ وجب عليها أن تغتسل(3)، وتضيف إلى غسلها الوضوء إذا كان قد حصل لها ما يوجب الوضوء قبل خروج ذلك الماء أو بعده.

وإذا خرج الماء منها وهي ليست في حالة شهوة وتهيّج لم يجب عليها شيء، حتّى ولو كان في وقت مداعبة الزوج لها إذا لم تتأثّر بالمداعبة عاطفيّاً.

 


(1) كأنّ المقصود بالتمييز ما يعمّ التمييز اليقيني والتمييز التعبّدي، فمثلاً لو كان لم يبُل بعد خروج المني كان هذا خارجاً عن محلّ الكلام؛ لأنّ رطوبته المشتبهة محكومة بكونه منيّاً فليس ممَّن لم يستطع التمييز. ولو كان قد بال ولكن لم يستبرئ من البول كان خارجاً أيضاً عن محلّ الكلام؛ لأنّ رطوبته محكومة بكونه بولاً فليس ممّن لم يستطع التمييز.
(2) إن كان المورد مجرى لاستصحاب عدم البول المنتج لعدم وجوب تعدّد الغسل في التطهير بالماء القليل وقلنا بأنّ تطهير المتنجّس بالبول بحاجة إلى تعدّد الغَسل أشكل ما أفاده اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) هنا من أنّ عليه الوضوء فحسب؛ وذلك لأنّه يعلم إجمالاً إمّا بوجوب غسل الجنابة عليه أو بوجوب تعدّد الغَسل بالماء القليل في التطهير فيجب عليه الاحتياط.
(3) الظاهر عدم وجوب الغسل عليها.
238

2 ـ الجماع:

(35) أشرنا فيما سبق إلى أنّ سبب الجنابة أمران: خروج المني، والجماع.وأيضاً سبق الكلام عن السبب الأوّل، والآن نشير إلى السبب الثاني (أي: الجماع). ويتحقّق بإيلاج(1) الحشفة في الفرج ـ قُبُل المرأة ـ إن كانت الحشفة سليمة، أو بمقدارها من الذَكَر إن كانت مقطوعة، حتّى ولو لم ينزل المني، فإذا تحقّق الجماع بهذا المعنى وجب الغسل على الواطئ وعلى المرأة الموطوءة معاً، وكانا جنبين، سواء كانا صغيرَين أم كبيرَين، عاقلَين أم مجنونين، مختارَين أو مضطرّين.

(36) وهناك حالات اُخرى يجب أن نعرف حكمها، وهي كما يأتي:

1 ـ الإيلاج في دبر امرأة أو ذكر.

2 ـ الإيلاج في بهيمة.

3 ـ الإيلاج في ميّت.

4 ـ الإيلاج ببعض الحشفة(2).

وفي هذه الحالات يجب على المباشر الفاعل الغسل، ولكن لايكتفي به إذا


(1) الإيلاج هو الإدخال.(منه(رحمه الله)).
(2) لا يجب الغسل إلّا بإيلاج تمام الحشفة أو بمقدارها من مقطوعها(1).
____________
(1) كما دلّ على ذلك صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع: «قال: سألت الرضا(عليه السلام) عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟ قال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال: نعم». الوسائل، ج 2 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام)، ب 6 من الجنابة، ص 183، ح 2.
239

كان قد حدث منه ما يوجب الوضوء قبل ذلك الإيلاج أو بعده، بل يضمّ إليه الوضوء أيضاً، وحكم الإنسان المفعول به في الحالة الاُولى والرابعة حكم المباشر الفاعل.

(37) يسوغ للإنسان أن يوجد السبب الموجب للجنابة بمقاربة زوجته، حتّى ولو علم بأنّه لن يتمكّن من الغسل وسيضطرّ إلى التيمّم للصلاة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون إتيانه لأهله ـ والحالة هذه ـ قبل دخول وقت صلاة الفريضة أو بعد دخولها.

الحاجة إلى غسل الجنابة:

(38) غسل الجنابة طاعة ومندوب في نفسه، وكذلك هو شرط في عبادات اُخرى، فلا تصحّ تلك العبادات بدون أن يغتسل الجنب. وقد تقدم في الفقرة (3) من هذا الفصل: أنّ كلّ ما يكون الوضوء من المحدِث بالحدث الأصغر شرطاً لصحّته يكون الغسل من المحدِث بالحدث الأكبر ـ كالجنابة ـ شرطاً لصحّته أيضاً، وعلى هذا الأساس يجب الغسل من الجنابة كشرط للصحة في الصلوات الخمس أداءً وقضاءً، وفي ركعاتها الاحتياطية وأجزائها المنسية التي تؤدّى بعد الصلاة، وكذلك هو شرط للصحة في الصلاة المندوبة، حيث لا صلاة بلا طهور، ولطواف الحاجّ أو المعتمر، ولصلاة الطواف.

وليس الغسل شرطاً للصلاة على الأموات، كما لم يكن الوضوء شرطاً لها، فيجوز للجنب أن يصلّي على الميّت، وليس شرطاً لسجدتي السهو، تماماً كالوضوء.

(39) ويزيد الغسل على الوضوء:

أوّلا: بأنّه شرط للطواف المستحبّ؛ لأنّ الجنب لا يمكنه دخول المسجد الحرام فضلا عن الطواف فيه حول الكعبة الشريفة.

ثانياً: بأنّه شرط لصيام شهر رمضان وقضائه، فعلى الجنب أن يغتسل قبل الفجر ليصحّ منه الصوم، على تفصيلات نتركها لفصل الصوم. وليس شرطاً للصوم

240

المستحبّ، فيمكن للجنب أن يصوم ويصبح صائماً وهو جنب.

ثالثاً: بأنّه شرط للاعتكاف؛ لأنّ الجنب لا يمكنه المكث في المسجد.

وسيأتي في ذيل الفقرة (44) وما بعدها: أنّ هناك أشياء تحرم على الجنب فلا تحلّ له إلّا بالغسل.

حول أحكام الخلل:

(40) إذا نسي الجنب جنابته وصلّى كانت صلاته باطلةً، ووجب عليه أن يغتسل ويعيدها.

وقد يخرج المني من الإنسان دون اختيار منه وإرادة، بل دون أن يشعر بخروجه، وعليه فإذا احتلم وخرج منه مني وهو لا يعلم فتوضّأ وصلّى ثمّ علم بحاله وجب عليه أن يغتسل ويعيد الصلاة.

(41) وإن صادف أن رأى على ثوبه أو بدنه منيّاً، وأيقن أنّ هذا المني منه لا من شخص آخر، حيث لا سبيل لأيّ احتمال أن يكون من غيره، وأيضاً أيقن أنّه لم يغتسل منه، إن صادف ذلك وجب أن يغتسل من الجنابة. أمّا ما مضى من صلاته وانتهى وقتها فليس عليه أن يقضي أيّ فريضة فات وقتها وانتهى إذا كان يظنّ أو يحتمل أنّه قد أدّاها وأتى بها قبل هذه الجنابة، وإنمّا يجب عليه أن يقضي كلّ فريضة انتهى وقتها ويعلم بأنّه أدّاها وأتى بها بعد وقوع تلك الجنابة.

وإذا كان قد صلّى صلاةً ولم ينتهِ وقتها بعد فيجب عليه إعادتها، إلّا إذا علم بأنّها كانت قبل وقوع تلك الجنابة(1).

(42) وقد يستعمل اثنان لباساً واحداً على التعاقب والتناوب، ثمّ يظهر


(1) بل لا تجب عليه إعادتها إلّا إذا علم بأنّها كانت بعد وقوع تلك الجنابة.
241

على اللباس مني يعلم كلّ منهما أنّه من أحدهما يقيناً، ولكن لا على التعيين فهل يجب الغسل عليهما ؟ وعلى من يجب الغسل ؟

الجواب: توجد هنا حالات كما يأتي:

أوّلا: إذا كان كلّ منهما ينتفع بغسل الآخر وطهارته(1) فيجب على كلّ منهما الغسل.

ومثال ذلك: أن يكون كلّ منهما عادلا فينتفع الآخر بطهارته، حيث يتيح له ذلك الائتمام به ففي هذه الحالة يجب على كلٍّ منهما الغسل.

ثانياً: إذا كان أحدهما ينتفع بغسل الآخر وطهارته، وأمّا الآخر فلا ينتفع في طهارته بشيء فيجب الغسل على المنتفع خاصة.

ومثال ذلك: أن يكون أحدهما جديراً بالاقتداء به في الصلاة، والثاني غير جدير بذلك، فالثاني ينتفع بطهارة الأول إذا اُتيح له الائتمام به، والأول لا ينتفع بطهارة الثاني، وفي هذه الحالة يجب الغسل على المنتفع خاصّة.

وفي كلتا الحالتين لا يجوز للمنتفع إذا اغتسل أن يأتمّ بالآخر ما دام الآخر لم يغتسل.

ثالثاً: إذا كان كلّ منهما لا ينتفع بغسل الآخر وطهارته فلا يجب الغسل على أحد منهما.

ومثال ذلك: أن يكون كلّ منهما غير واثق بجدارة صاحبه للاقتداء به في الصلاة، فيجوز لكلّ منهما أن يصلّي صلاته بدون غسل.

وفي كلّ الحالات الثلاث إذا كان هناك ثالث ينتفع بطهارة كلّ منهما بأن كان متمكّناً عادةً من الصلاة خلفهما وواثقاً بجدارتهما لذلك فيجب على هذا الثالث أن


(1) المقصود إمكان الانتفاع إمكاناً عمليّاً، لا فعليّة الانتفاع، وكذلك الحال في الفقرات الآتية.
242

يجتنب الصلاة خلف كلّ منهما ما لم يغتسل.

(43) من شكّ في حصول الجنابة منه بنى على أنّه ليس جنباً، ومن ذلك: أن يشكّ في تحقّق الإيلاج الموجب للغسل، أو يتذكّر بأنّه رأى في منامه حلماً ويشكّ في خروج المني منه ففي مثل ذلك لا يجب الغسل.

(44) الجُنُب إذا اعتقد بأنّه اغتسل فدخل في الصلاة وشكّ في أثنائها هل أنّه اغتسل حقّاً؟ بطلت صلاته، وكان عليه أن يغتسل ويعيد الصلاة، وهذا الإنسان إذا فرغ من الصلاة ثمّ شكّ هل أنّه كان قد اغتسل من جنابته؟ وجب عليه أن يغتسل ولا يعيد الصلاة(1).

وهذا الإنسان الذي شكّ إذا صدر منه ما يوجب الوضوء قبل أن يغتسل اغتسلَ وأعاد الصلاة ما دام وقتها باقياً(2)، ولم يكتف بهذا الغسل للصلوات الآتية، بل يتوضّأ لها أيضاً.

ما يحرم على الجُنُب حتّى يغتسل:

تقدّم في الفقرة (4) من هذا الفصل: أنّ كلّ ما يوجب الغسل إذا حصل من الإنسان حرم عليه مسّ كتابة المصحف الشريف، تماماً كما يحرم على من حصل منه ما يوجب الوضوء، فيحرم على الجنب مسّ كتابة المصحف، ولا يحرم عليه مسّ اسم الجلالة وصفاته في غير النصّ القرآني المكتوب في المصحف، وأسماء الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام).

ويحرم على الجنب إضافةً إلى مسّ كتابة المصحف اُمور هي:

أوّلا: (45) قراءة آية السجدة من سور العزائم وهي: السجدة (آية 15)،


(1) بل الصحيح لزوم الاحتياط بالإعادة.
(2) بل وقضاها إن لم يكن وقتها باقياً.
243

وفصّلت. آية 37 )، والنجم. آية 62 )، والعلق. آية 19..

(46) ثانياً: . التواجد في الحرمين الشريفين: المسجد الحرام ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّهما محرّمان على الجنب، ولا يسمح له بالمكث فيهما، ولا بمجرّد المرور والاجتياز أيضاً.

(47) ثالثاً: . التواجد في غير الحرمين من المساجد فإنّه حرام على الجنب بكلّ أشكاله، ويستثنى من ذلك حالتان:

الاُولى: أن يكون للمسجد بابان، فيجتاز الجنب المسجد بأن يدخل من باب ويخرج من الباب الآخر مباشرةً بدون مكث.

الثانية: أن يدخل إلى المسجد لأخذ شيء فيه(1)، كما لو كان له متاع أو كتاب في المسجد فيدخل ويأخذه ويخرج بدون مكث.

وبالمقارنة بين المحرّمين الثاني والثالث يتّضح أنّ استثناء هاتين الحالتين لا يشمل المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويختصّ بغيرهما من المساجد.

(48). والعتبات المقدسة التي في وسطها القبر الشريف للمعصوم (عليه السلام)يجري عليها حكم المساجد من هذه الناحية(2)، دون الأروقة.

(49). والتحريم الذي ذكرناه على الجنب بالنسبة إلى المساجد يعمّ ويشمل مساجد الله بالكامل المعمور منها والمهجور والخراب أينما كان ويكون، في شرق الأرض وغربها.

(50). إذا جهلنا وشككنا في أنّ هذا البناء أو هذا الموضع والمكان ـ مثلا ـ


(1) الأحوط وجوباً تركه. ويحرم عليه أيضاً وضع شيء في المسجد.
(2) هذا حكم احتياطيٌ.
244

هل هو جزء من المسجد، أو أنّه تابع له ووقف خاصّ به دون أن يشمله ويصدق عليه اسم المسجد فهل تجري عليه أحكام المسجد ؟

الجواب: المتّبَع هنا عمل المسلمين من أهل البلد الذي فيه المسجد وسيرتهم فيما يفعلون، فإن كانت على وفق أحكام المسجد فهو كذلك، وإلّا فلا تجري أحكام المسجد.

(51). إذا لم يكن الجنب قادراً على الطهارة من الجنابة فلا يستأجر لعمل في المسجد يستدعي المكث فيه(1)، كتنظيفه أو إعداده لمجلس عزاء، أو أيّ شيء مباح ولكن يتعذّر القيام به من غير المكث...

وإذا صادف وجرى عقد الإجارة مع الجنب على شيء من ذلك ـ على أساس أنّ الجنب كان مقدماً على العصيان، ولا يبالي بأن يمكث في المسجد وهو جنب ـ إذا صادف ذلك يكون العقد صحيحاً، وإذا تخلّف الأجير بعد ذلك عن القيام بالعمل معتذراً بأنّه جنب كان من حقّه ذلك، ولكن للمستأجر خيار الفسخ(2).

(52). المحرّمات على الجنب كلّها تختصّ بمن علم بالجنابة، أمّا من يجهلها ويشكّ فيها فهي سائغة له ولا تحرم عليه عملياً، إلّا أن يكون على علم سابق بالجنابة فإنّه يبني على بقائها وبقاء محرّماتها، حتّى يتيقّن بأنّه اغتسل وتطهّر من تلك الجنابة.

 


(1) وكذلك ـ على الأحوط وجوباً ـ ما لو لم يستدع المكث ولكن لم يمكن الاجتياز، كما لو كان للمسجد باب واحد فكان يضطرّ إلى الرجوع من نفس الباب الأوّل.
(2) خيار الفسخ للمستأجر معناه. أنّ له أن يفسخ الاتّفاق الذي عقده مع الأجير.(منه (رحمه الله)).
245

كيفية غسل الجنابة:

(53) وكيفية غسل الجنابة هي كيفية الغسل على العموم بأحكامها وتفاصيلها المتقدّمة في الفقرات (10 ـ 16) من هذا الفصل.

ويجب في غسل الجنابة نية القربة، ويمكن للجنب أن يقصد القربة بغسله بما هو طاعة ومندوب، أو بما هو واجب من أجل الصلاة ونحوها من العبادات، أو من أجل أن يباح له مسّ كتابة المصحف، أو غير ذلك ممّا لايباح للجنب، كما تقدّم في الوضوء في الفقرة (79) من فصل الوضوء.

(54) وإذا علم الشخص بأنّ عليه غسل الجنابة ولم يكن عليه غسل آخر فاغتسل وقصد بذلك غسل الجنابة صحّ غسله.

وإذا علم بأنّ عليه غسلا ولا يدري هل هو غسل الجنابة أو غسل مسّ الميّت ـ مثلا ـ فاغتسل وقصد بذلك ما في ذمّته شرعاً صحّ غسله.

وإذا علم بأنّ عليه كلا الغسلين فاغتسل وقصد بذلك غسل الجنابة، أو قصد غسل مسّ الميّت، أو قصدهما معاً بغسل واحد صحّ غسله، وإذا اغتسل ولم يقصد شيئاً منهما بطل غسله.

246

غسل الحيض

أقسام دم المرأة:

(55) المرأة قد ينزل منها الدم من الموضع المخصوص في غير حالة الولادة، وهو على أقسام:

1 ـ الدم الذي تعتاد المرأة البالغة أن تقذفه في دورة شهرية وباستمرار، ويسمّى دم الحيض، والحيض: اجتماع الدم، وبه سمّي الحوض لاجتماع الماء فيه، ويقال: حاضت المرأة وتحيّضت، وهي حائض وحائضة إذا خرج منها هذا الدم، وهو دم طبيعي في المرأة السوية، ويجب على المرأة الغسل عند انقطاعه وانتهائه؛ لكي تصلّي، ويسمّى بغسل الحيض.

2 ـ الدم الذي ينزل بسبب جرح أو قرح في الرحم، أو لمضاعفات عملية جراحية سابقة.

3 ـ دم البكارة: وهو الدم الذي ينزل بسبب افتضاض بكارة الفتاة.

4 ـ كلّ دم ينزل من الباطن سوى ذلك، ويسمّى بدم الاستحاضة، وتسمّى المرأة التي اتّفق لها ذلك بالمستحاضة.

أمّا المرأة الحائض فلها أحكام خاصّة سيأتي شرحها، منها: أنّه لا يجب عليها الصلاة، ومنها: أن تمتنع عن أشياء: كالمكث في المسجد، ومقاربة زوجها.

وأمّا القسم الثاني والثالث فلا أثر لهما شرعاً من ناحية الطهارة، سوى تطهير الموضع من النجاسة بإزالة الدم وغسله بالماء مع التمكّن وعدم التضرّر بذلك، ولا يتطلّب هذان وضوءً أو غسلا.

وأمّا دم الاستحاضة فيتطلب وضوءاً أو غسلا على تفصيل يأتي وتكون

247

المستحاضة مكلفة بانجاز ذلك واداء الصلاة خلافاً للحائض على ما عرفت.

الشروط العامّة لدم الحيض:

لكي يكون الدم حيضاً شرعاً ـ أي من القسم الأول ـ يجب أن تتوفّر فيه الاُمور التالية:

(56) أوّلا: أن تكون المرأة قد أكملت تسع سنين(1) ولم تتجاوز خمسين سنة(2)، والتسع هو سنّ البلوغ شرعاً، والخمسون سنّ اليأس.

وإذا لم تضبط المرأة عمرها ورأت الدم وهي لا تعلم أنّها بلغت سنّ اليأس أم لا اعتبرت نفسها غير يائس، وعملت كما كانت تعمل قبل ذلك.

وأمّا إذا رأت الدم وهي تشكّ في إكمالها لتسع سنين: فإن أدّت رؤيتها هذه إلى اليقين بأنّها قد أكملت تسع سنين ـ نظراً إلى أنّ البنت لا ترى دماً عادةً قبل التاسعة ـ اعتبرت ذلك الدم حيضاً. وإذا لم يحصل لها اليقين بذلك لم تعتبره حيضاً(3).

 


(1) بل دم الحيض بنفسه علامة البلوغ ولو تحقّق قبل التسع سنين، ويعرف بباقي العلامات لا بإكمال التسع سنين، ولكن تحقق ذلك قبل التسع سنين بعيد، أو مقطوع العدم.
(2) لا يبعد كون سنّ اليأس المذكور في الروايات بمعنى أنّها لو انقطع عنها الدم قبل ذلك لم يحكم عليها باليأس إلى أن تبلغ ذلك السنّ، أمّا لو رأت الدم بعد الخمسين بشكل كان يحكم عليها لولا السنّ بالحيض فلا يترك الاحتياط عندئذ بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.
(3) تقدّم أن الحيض علامة البلوغ، وليس العكس.
248

(57) ثانياً: أن يكون الدم مستمرّاً خلال ثلاثة أيام(1)، ونقصد بذلك: ثلاثة نهارات مع الليلة الواقعة عقيب النهار الأول والليلة الواقعة عقيب النهار الثاني، فإذا رأت الدم في أوّل نهار السبت وجب أن يستمرّ إلى غروب نهار الاثنين، وكذلك إذا رأته في ليلة السبت(2). وإذا رأته ظهر السبت وجب أن يستمرّ إلى ظهر نهار الثلاثاء.

ولا يضرّ بالاستمرار حصول فترات توقّف قصيرة إذا لم تتجاوز ما هو المألوف لدى النساء من توقّف دم العادة أحياناً.

(58) ثالثاً: أن لايتجاوز عشرة أيام، فإذا تجاوز عشرة أيام فلا يعتبر كلّه حيضاً، بل قد يعتبر بعضه حيضاً على ما يأتي؛ لأنّ الحيض الشرعي لا يكون أكثر من عشرة أيام(3).

(59) رابعاً: أن تكون المرأة قد مرّت بها قبل ذلك فترة طهر وسلامة من دم الحيض لاتقلّ عن عشرة أيام، فإذا كانت قد حاضت ونقت من حيضها ثمّ رأت


(1) لا إشكال في كون ذلك علامةً من العلامات الشرعيّة للحيض، أمّا لو حصل للمرأة القطع بكون دمها من الناحية الطبيعيّة دم الحيض الذي يخرج طبيعيّاً من الرحم ولكنّه لم يستمرّ ثلاثة أيّام فلا يترك الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.
(2) لا يبعد أن يكون المقياس النهارات بلياليها الكاملة، وعليه فلو انتهى النهار الثالث ولم ينتهِ مقدار ثلاث ليال لا يترك الاحتياط في بقيّة الليل بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة. ولو انقطع الدم بعد انتهاء الأيّام الثلاثة وقبل انتهاء مقدار الليالي الثلاث لا يترك الاحتياط بقضاء الصلوات الفائتة.
(3) هنا أيضاً لا يبعد أن يكون المقياس عشرة أيّام مع مقدار عشر ليال كاملة، فلا يترك الاحتياط في موارد اختلاف هذا المسلك عن المسلك الموجود في المتن والذي هو المسلك المشهور.
249

دماً بعد تسعة أيام ـ مثلا ـ لم يعتبر الدم الجديد حيضاً؛ لأنّ فترة الطهر بين حيضتين لا يمكن أن تكون أقصر من عشرة أيام شرعاً.

ونقصد بعشرة أيام: عشرة نهارات، والليالي التسع الواقعة بين النهار الأول والنهار الأخير منها(1)، كما نقصد بالطهر: السلامة من دم الحيض، سواء كانت نقيةً من الدم بصورة كاملة أو مبتلاةً بدم استحاضة.

(60) ولكي يثبت للمرأة حكم الحائض حين يعرضها الدم ضمن الشروط السابقة لابدّ أن يخرج الدم في بدايته، فلو تحرّك الدم من الرحم إلى فضاء الفرج ـ أي ما اتّسع منه ـ ولم يتجاوزه إلى الخارج فلا يجري عليه حكم من أحكام الحيض وإن طال به أمد المكث، وإذا خرج الدم في البداية كفى ذلك في تحقّق حكم الحيض ولو ظلّ بعد ذلك في فضاء الفرج.

وليس من الضروري ـ لكي يثبت حكم الحيض ـ أن يخرج الدم من الموضع المخصوص، فلو خرج دم الحيض من غيره اعتبرت المرأة حائضاً أيضاً.

كيف تُميّز المرأة دم الحيض؟

إذا توفّرت الاُمور السابقة وشكّت المرأة مع ذلك في أنّ الدم الذي نزل منها من دم الحيض أم لا فهنا حالات:

(61) الاُولى: أن يكون الشكّ في ذلك قائماً على أساس احتمال أنّ الدم من قرحة أو جرح (أي من القسم الثاني)، وفي مثل ذلك تعتبره المرأة عملياً من القسم الثاني، فلا تكلف نفسها بتكاليف الحائض ولا المستحاضة.

 


(1) هنا أيضاً لا يبعد أن يكون المقياس عشرة نهارات مع عشر ليال كاملة، فلا يترك الاحتياط في موارد اختلاف المسلكين.
250

(62) الثانية: أن يكون الشكّ في ذلك قائماً على أساس احتمال أنّ الدم دم البكارة (أي من القسم الثالث)، وفي مثل ذلك يجب على المرأة أن تميّز الدم بإدخال قطنة في الموضع المخصوص وتركها مليّاً ثمّ إخراجها برفق، فإن وجدت الدم مستديراً على أطراف القطنة دون أن يستغرقها أو يستغرق أكثرها فهو من دم البكارة، وإن كان قد غطّاها وغمرها بالكامل أو غمر أكثرها فهو من دم الحيض.

وإن تركت المرأة هذا الفحص والاختبار وأتت بشيء من العبادة ـ كالصوم والصلاة ـ تبطل عبادتها، إلّا أن تعلم بأنّها قد صادفت الطهر من الحيض.

وإذا تعذّرت على هذه المرأة عملية الاختبار بالقطنة لسبب أو لآخر فماذا تصنع ؟

الجواب: عليها أن تفعل ما تفعله الطاهر، وتترك ما تتركه الحائض، فتصلّي وتصوم، ولا تمكث في المساجد، ولا تمسّ كتابة المصحف... إلى آخره.

(63) الثالثة: أن تعلم المرأة بأنّ الدم ليس من جرح وقرح، ولا من البكارة، ولكن لا تدري هل هو حيض أو استحاضة ؟ ويمكن لها في هذه الحالة أن تستعمل إحدى طريقتين:

إحداهما: أن تحتاط إذا أمكن، وذلك بأن تمتنع عن الأشياء التي تلزم الحائض بالامتناع عنها، وتؤدّي الأشياء التي تلزم المستحاضة بأدائها من وضوء وغسل وصلاة(1)، وهكذا حتّى ينقطع الدم، فتغتسل وترجع إلى حالتها


(1) نحن نبني بالاحتياط الوجوبي على حرمة الصلاة على الحائض حرمةً نفسيّة، ومن هنا لا نجوّز الاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة بما يشمل الصلاة إلّا في مورد الاضطرار إلى ذلك بالعلم الإجمالي بوجوب الصلاة عليها في بعض الأيّام، أو دوران

251

الاعتيادية، وكلّما ذكرنا الاحتياط بالنسبة إلى امرأة من هذا القبيل فنقصد بالاحتياط هذا المعنى.

والآخر: أن تلجأ إلى تطبيق إحدى قاعدتين شرعيّتين لإثبات الحيض:

1 ـ إثباته على أساس الصفات.

2 ـ إثباته على أساس العادة.

إثباته على أساس الصفات:

(64) دم الحيض له صفات تميّزه في العادة، فهو غالباً يكون أسود أو أحمر حارّاً يخرج بدفق وحرقة، وخلافاً لذلك دم الاستحاضة فإنّه ـ على الأكثر ـ لا تتوفّر فيه هذه الصفات، ويكون لونه أصفر، وقد جعل الشارع تلك الصفات الغالبة في دم الحيض دليلا على أنّه حيض، فمتى رأت المرأة الدم وكان بلون الحيض حمرةً أو سواداً اعتبرته حيضاً، سواء كان ذلك في الأيام التي اعتادت أن ترى الدم فيها من كلّ شهر أو في غيرها.

ولكن على المرأة أن تظلّ مراقبةً لحالها إلى ثلاثة أيام من حين رؤيتها للدم، فإن استمرّ بصفة الحيض طيلة هذه المدّة تأكّدت أنّها حيض، واستمرّت على عمل الحائض، سواء ظلّ الدم بعد الأيام الثلاثة محتفظاً بصفة الحيض أو خفّ لونه وأصبح أصفر.

وإذا انقطع الدم أو زالت عنه صفة الحيض ولونه قبل اكتمال ثلاثة أيام



الأمر بين المحذورين من وجوب الصلاة أو حرمتها حينما لا نجد أيّ حلٍّ للمشكلة عدا الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.
252

انكشف أنّه ليس من دم الحيض شرعاً(1)، بل دم استحاضة، ووجب على المرأة أن تعمل عمل المستحاضة، وتقضي ما تركته من عبادة وصلاة خلال تواجد الدم.

إثباته على أساس العادة:

(65) وإذا لم يكن الدم بصفة الحيض بأن كان أصفر اللون رجعت المرأة إلى القاعدة الشرعية الثانية، ومؤدّاها: أنّ الدم الأصفر إذا رأته المرأة في أيام عادتها ـ وهي الأيام التي تجيئها عادتها فيها عادةً ـ فهو دم الحيض، وكذلك إذا رأته قبل موعدها المعتاد بيوم أو يومين، وإذا رأته في غير تلك الأيام فهو دم استحاضة.

ولابدّ للمرأة من المراقبة أيضاً على النحو الذي تقدم في التمييز على أساس الصفات بأن ترصد الدم، فإن استمرّ ثلاثة أيام استقرّت على حكم الحيض، وإلّا انكشف لديها أنّها مستحاضة، وقضت ما تركته من عبادة في فترة تواجد الدم.

ولكي تستفيد المرأة من عادتها السابقة في تمييز الدم لابدّ أن تكون ذاكرةً لها، وأمّا إذا كانت لها عادةً منتظمة في وقت محدّد ولكنّها نسيت موعدها ورأت الدم فماذا تصنع؟

والجواب: أنّ الدم إذا كان بصفات الحيض اعتبرت نفسها حائضاً على أساس القاعدة الاُولى (التمييز بالصفات)، وأمّا إذا لم يكن بصفات الحيض اعتبرت نفسها مستحاضةً ما دامت لا تعلم بمجيء موعد عادتها.

وإذا رأت دماً بدون صفات الحيض وأيقنت بحدسها أنّه يستمرّ بها أياماً


(1) أمّا لو علمت بكونه بحسب عالَم الطبيعة حيضاً ـ حيث إنّ هنا فوارق طبيعيّة بين دم الحيض ودم الاستحاضة، وليس الفرق مجرّد اعتبار شرعيّ بحت ـ فعليها أن تحتاط إذا كان الدم في اليوم الثالث ـ مثلاً ـ موجوداً من دون اللون.
253

كاُسبوع أو أكثر وكانت تعلم بأنّ عادتها الشهرية: إمّا في النصف الأول من الاُسبوع أو في النصف الثاني منه ـ مثلا ـ وجب عليها أن تحتاط طيلة المدّة، فتجتنب ما تتركه الحائض، وتؤدّي ما تؤدّيه المستحاضة.

(66) وقد تسأل: كيف تحصل العادة الشهرية للمرأة؟

والجواب: أنّها تحصل برؤية المرأة لدم الحيض في وقت معيّن من شهر ورؤيتها له في نفس الوقت من الشهر اللاحق مباشرة، وكذلك تحصل بانتظام فاصل زمنيّ معيّن بأن تعتاد المرأة بأن يكون الفاصل بين الحيضتين نصف شهر باستمرار.

وقد تقول: إذا اعتادت المرأة أن ترى الدم في بداية كلّ شهر قمريٍّ إلى خمسة أيام ـ مثلا ـ فهل إثبات أنّ الدم المشكوك دم الحيض على أساس العادة يتوقّف على أن يكون هذا الدم مبتدئاً في بداية الشهر ومستمرّاً إلى خمسة أيام؟

والجواب: لا، بل يكفي أن يكون واقعاً ضمن تلك الفترة، فلو رأت دماً أصفر من اليوم الثاني إلى الخامس كان حيضاً.

وقد تقول: إذا اعتادت المرأة أن ترى الدم في بداية كلّ شهر ولكنّه يستمرّ بها أحياناً ثلاثة أيام وأحياناً أكثر، فما هي الأيام التي حتى إذا رأت فيها دماً أصفر فهو حيض؟

الجواب: هي الثلاثة الاُولى من الشهر.

إثبات الحيض على أساس الصفات والعادة معاً:

(67) وإذا رأت المرأة الدم الأصفر في أيام العادة واستمرّ بها بعد انتهاء أيام العادة، وكان مااستمرّ بعد أيامها بصفات الحيض فالدم كلّه دم حيض إذا توفّرت الشروط العامة لدم الحيض المتقدّمة، بعضه على أساس العادة وبعضه على أساس

254

الصفات.

وإذا رأت المرأة دماً أحمر قبل الموعد الشهريّ بأيام واستمرّ إلى أيام العادة كان الكلّ حيضاً أيضاً ضمن الشروط العامة المتقدّمة.

ويتلخّص ممّا سبق: أنّ كلّ امرأة رأت الدم ولم تعلم بأنّه حيض أو استحاضة تعتبره حيضاً إذا انطبقت عليها إحدى القاعدتين، فكان الدم بصفة الحيض، أو كان في أيام العادة أو قبلها بيوم أو يومين، وإلّا فهي مستحاضة.

لا تنتج العادة على أساس الصفات:

(68) إذا تكرّر الحيض في بداية الشهر مرّتين متعاقبتين كان ذلك عادةً على مابيّنّا، وتحتّم على المرأة أن تجعل الدم الذي تراه بعد ذلك في نفس الموعد حيضاً ولو كان أصفر، كما عرفت.

ولكن إذا تكرّر الدم في بداية الشهر مرّتين متعاقبتين ولم تتأكّد المرأة أنّه حيض، ولكنّه كان بصفة الحيض فاعتبرته حيضاً على أساس الصفة دون أن تكون على يقين من ذلك، ثمّ جاءها الشهر الثالث فرأت في نفس الموعد دماً أصفر ليس بصفة الحيض فماذا تعمل هذه المرأة؟ وهل تعتبر نفسها ذات عادة منتظمة فتجعل هذا الدم الجديد حيضاً؛ لأنّها رأته في عادتها على الرغم من عدم كونه بصفة الحيض، أو تعتبر نفسها غير ذات عادة ما دامت غير متأكدة من أنّ الدمين السابقين كانا حيضاً؟

والجواب: أنّ هذه المرأة تعمل على أساس الصفات(1)، فمادام الدم أصفر


(1) لو كان تكرّر الدم بالصفات عندها مرّتين في الحالة الاعتياديّة لا في حالة ابتلائها

255

تجعل نفسها مستحاضة.

الحامل والعادة الشهرية:

(69) ما ذكرناه ينطبق على غير الحامل، وأمّا الحامل فهي قد تحيض أيضاً، فإذا رأت الدم وكانت واثقةً بأنّه من دم الحيض عملت ما تعمله الحائض، وإذا لم تدرِ بأنّه دم حيض أو دم استحاضة فلها حالات:

1 ـ أن يكون الدم بصفة الحيض، وفي أيام العادة أو قبلها بيوم أو يومين، وفي هذه الحالة تعتبره حيضاً منذ البداية، وتتأكّد من ذلك باستمراره ثلاثة أيام.

2 ـ أن لا يكون الدم بصفة الحيض، ولا في أيام العادة أو قبيلها، وفي هذه الحالة تعتبره استحاضة.

3 ـ أن يكون بصفة الحيض ولكن في غير أيام العادة أو في أيام العادة، ولكن بدون صفة الحيض، وعليها حينئذ أن تحتاط(1).

 


→ باستمرار الدم فلا إشكال في أنّ هذا يُؤدّي إلى حصول العادة الحاكمة على التمييز، سواء حصل لها القطع الوجداني بأنّ ذينك الدمين كانا حيضاً، أم لم يحصل لها هذا القطع لأيّ سبب من الأسباب، إنّما الإشكال فيما إذا كان تكرّر الصفات مرّتين ضمن الابتلاء باستمرار الدم، والأقوى هنا أيضاً حصول العادة الحاكمة على التمييز.
(1) إن كان الدم بصفة الحيض فهو حيض ولو لم يكن في أيّام العادة، وإن كان الدم في أيّام العادة وفاقداً للصفة: فإن كانت قد احتفظت بعادتها شهريّاً فهو حيض، وإن كان قد انقطع عنها

256

متى تغتسل الحائض؟

(70) إذا احتملت الحائض خلال عشرة أيام من حين ابتداء الدم أنّ الدم قد انقطع فلا يجوز لها أن تهمل هذا الاحتمال وتظلّ على حيضها، بل يجب عليها أن تفحص وتتأكّد، وذلك بأن تدخل قطنةً وتتركها في موضع الدم ثمّ تخرجها، فإن كانت نقيةً فقد انقطع حيضها ووجب عليها الغسل، وإلّا فهنا ثلاث حالات:

الاُولى: أن تكون المرأة ذات عادة شهرية مستقرّة ولم يتجاوز الدم فعلا أيام عادتها، فهي حائض ما دامت تجد القطنة غير نقية.

الثانية: أن لا تكون المرأة ذات عادة شهرية مستقرّة، كالمرأة التي تحيض تارةً سبعة أيام، واُخرى ثمانيةً، وهكذا، وهذه تعتبر نفسها حائضاً إذا خرجت القطنة غير نقية(1) ما دام الدم لم يتجاوز عشرة أيام من حين ابتدائه.

الثالثة: أن تكون المرأة ذات عادة شهرية مستقرّة أقلّ من عشرة أيام ـ كاُسبوع مثلا ـ ورأت القطنة ملوّثةً بعد انتهاء أيام العادة وقبل تجاوز عشرة أيام، وهذه إن كانت مستحاضةً قبل مجيء عادتها واتّصل دم العادة بدم الاستحاضة أنهت حيضها بانتهاء أيام عادتها، واعتبرت ما يبقى من الدم استحاضة.

وإن لم تكن مستحاضةً على هذا النحو، بل كانت طاهرةً قبل مجيء العادة فالحكم يتبع تقديرها الشخصي، فإذا كانت تقدّر بصورة جازمة أنّ الدم سيستمرّ في المستقبل ويتجاوز عشرة أيام أنهت حيضها بانتهاء أيام عادتها، واعتبرت



الدم كما هو الغالب لدى الحاملات ولكنّها رأت صدفةً الدم الفاقد للصفة في أيّام العادة أو قُبيلها فهنا تحتاط بالجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.
(1) ولو بصفرة.